هل سمعتم بالمجازر؟
نبيل بومنصف
لا نفتعل إثارة مسألة لا نجد لها أثرا في مجريات الانهماك بترتيب الهيكل السياسي الجديد إن تساءلنا ماذا تراه يكون عليه الموقف اللبناني من إحدى أفظع المجازر الإنسانية التي ترتكب في مدينة حلب؟ نعلم تماما الجواب المعلب من أنه لا يتوقف على لبنان وطبقته السياسية ونخبه المدنية أن يعوضوا أفظع ما يواكب مجازر حلب من قصور دولي وتواطؤ مشين في حق الإنسانية قاطبة جراء هذا الذي يجري والذي تقشعر له الأبدان . ولكن هل كان الأمر كذلك في السوابق حين كان لبنان يحتفظ لنفسه دوما بميزة الصراخ حيال مجازر كهذه وهو الذي لا تزال المجازر التي ارتكبتها إسرائيل ضد شعبه ومناطقه ترسم ندوبا لا تمحى؟ وهل ثمة فوارق بين مجازر ترتكب اليوم في حلب مهددة بأبشع الاستباحات ضد البشر والعمران في إحدى أعرق المدن قاطبة فيما يطبع لبنان تجاهل مريب وهو البلد الذي طبع على خصائص مناهضة الظلم والعدوان والفظائع والنزاعات الدموية المجنونة التي تسكر على أنهار الدماء ؟
لا نسوق الأمر من زاوية سخافة مقاربة السياسات الخارجية للدولة اللبنانية التي لا نزعم كيف سيمكنها رسم اتجاهاتها مع ولادة حكومة جديدة يراد لها أن تحشر في تركيبة الـ24 محظيا كل تناقضات الواقع السياسي والامتدادات الإقليمية الشديدة الالتهاب. نترك هذا الاستحقاق للمنخرطين في معركة تحديد الأحجام والتوازنات وما ستفضي إليه مع تمنياتنا المقرونة بالدعاء الصادق لأصحاب اللهفة على العهد والحكومة بأن يوفقوا في ابتكار يحول دون ولادة حكومة تحمل في بذورها عناصر تفجيرها. ما يعنينا هنا هو مساءلة قوى سياسية تقيم على رفع حقبة جديدة موعودة في لبنان وتلتزم معايير التواطؤ الدولي نفسها في الصمت عن المجازر الجارية في حلب مهددة بفناء حقيقي وكأنها غير معنية لا بتنديد ولا بصراخ ولا باستنكار ولا بتحرك. لم يكن لبنان هكذا يوما، وثمة قوى فيه كانت حتى الأمس العابر فقط تحمل لواء الثورة السورية كثورة على الطغيان. وليس ممكنا ولا مقبولا ولا مبررا تبرير الصمت أو التجاهل حيال هذه المجازر بتمرير الفترة الانتقالية الجارية منذ بداية العهد الجديد لئلا يتفتق الانقسام الكامن حول مسألة تورط “حزب الله” في الحرب السورية. هل تراها حتى قوى 14 آذار (السابقة!) اختطت لنفسها خيارات النأي بالنفس حتى عن موقف صارخ من هذه المجازر؟ وماذا تراها فاعلة قوى الحكومة الجديدة كما العهد الجديد إذا حصل المحظور الأكبر المترائي وراء كثافة الغارات التدميرية للنظام وداعمته روسيا بلوغا إلى المجزرة الكبرى؟ لعلنا نتوهم أن أحدا سمع بالأمس أن مجاعة بدأت تضرب المحاصرين في شرق حلب وان حرب الفناء شارفت المأساة النهائية. فالمحاصصة الطالعة لا تبيح هذا الترف!
المصدر: النهار