هل ما زالت الثورة مستمرة؟
عقاب يحيى
تكثر الأسئلة ونحن في الذكرى الثامنة للثورة: هل هي مستمرة؟ أم أنها انتهت؟
بعيداً عن الرغبوية، أو الإرادوية نحن بحاجة فعلاً لوقفة واقعية نراجع فيها المسار والوقائع، وما وصلنا إليه، والأسباب، خاصة تلك الذاتية المرتبطة بنا، وتفاعلها مع العام والخارجي، وصولاً إلى ما نحن فيه.
- على السطح هناك تراجعات كبيرة، وتقدّم للنظام على صعيد السيطرة واستعادة معظم الأراضي التي كانت محررة، وهناك تدويل شبه شامل تتصارع وتتنازع وتتناغم فيه المشاريع الخارجية بعيداً عن إرادة السوريين بكل أطرافهم، وأولها دور المعارضة، والمؤسسات التي تمثل الثورة .
- لكن بالوقت نفسه، وعند التعمّق في اللوحة السورية، سنصل إلى تأكيد عوامل أخرى، يمكن اختصارها بـ:
- ما تحقق ليس انتصاراً للنظام، بل تعزيزاً للدور الخارجي، الروسي منه بشكل خاص، والإيراني تباعاً.
- النظام فقد من سنوات السيطرة على القرار السيادي، وتحوّل لتابع لا يملك سوى تنفيذ ما يملى عليه.
- من الواضح أنه لا مهرب من الحل السياسي مهما حاول المماطلة، واللجنة الدستورية ليست كافية ولا بدّ من تطبيق بنود ” البيئة الآمنة ” التي تقع في صلب مهام المرحلة الانتقالية .
- الأوضاع الاقتصادية والمعيشية للشعب السوري، وبشكل خاص الذين يخضعون لسيطرة النظام بأسوأ الأحوال، وهي تفتح المجال لنمو معارضة ضمن ما يعرف بالموالاة ستكون رافداً كبيراً للثورة.
- تمسّك جزء كبير من الشعب السوري بمواصلة الثورة حتى تحقيق الأهداف التي قامت من أجلها .
- في جميع الأحوال لا يمكن للوضع أن يعود لما كان عليه، والنظام كبنية يعتبر منتهياً .
- لن يكون هناك إعمار دون حل سياسي، ودون تغيير النظام .
<<<
هذه العوامل الواقعية الفاعلة بالوضع السوري سيكون لها دورها في المرحلة القادمة، وبغض النظر عن السلبيات السابقة، والأخطاء الجسيمة التي وقعت بها المعارضة، ونتائج العمل الفصائلي المسلح وما تركه من أثر على سلمية الثورة وشعبيتها، فمن الواضح أن روح الثورة تتجدد، والعودة إلى طبيعتها السلمية تدلل عليه عديد الإرهاصات ليس فقط في المناطق المحررة، والخارجة عن سيطرة النظام، بل وأساساً في عديد المناطق الخاضعة له ، فدرعا، أيقونة الثورة، تستعيد ألقها بمظاهرات متتالية، وهناك عديد الأماكن التي تعلن احتجاجها على الواقع الراهن بأشكال كثيرة، كما أن تعقيدات الواقع المعاشي فتح المجال لأنواع مختلفة من الاحتجاج، وتحميل النظام مسؤولية ما يواجهه المواطن من ندرة بالمواد الأساسية، ومن استشراء الفساد، ونهم المافيا السلطوية .
- وإذا ما تطرقنا للمعادلة السياسية فقد بات واضحاً ذلك التنافس الحاد بين قطبي داعمي النظام : روسيا وإيران، وبروز عدد من القضايا الهامة إلى السطح، فإيران التي تعتقد أنها كانت العامل الأهم في إنقاذ وإنجاد النظام ومنع ىانهياره، والتي قدّمت الكثير من الدعم له تجد مفسها أنها في موقع مهمّش، وأن روسيا تريد وضع يدها على كامل الملف، والاستحواز على ” الكعكة ” السورية برمتها، لذلك تؤكد المعلومات أنها قامت باستدعاء رأس النظام لإبلاغه رسائل قاسية وضعته في حيص بيص تماماً، هو العاجز عن اتخاذ قرارات خاصة دون تدخل الروس .
- وروسيا الطامعة بأن يكون لها الدور الأكبر في سورية تبدي استعداداً مفتوحاً مع الإدارة الأمريكية لعقد صفقات تسووية يمكن أن تكون على حساب إيران، تراكباً مع نوايا الإدارة الأمريكية بتجاوز تقليم الوجود الإيراني إلى إنهائه في سورية .
- كما أن الاتفاق مع تركيا على منطقة آمنة بإشراف تركي يتجاوز عمقها الـ 30 كم يخلق واقعاً جديداً بتوافق روسي، لن يسمح للنظام فيه ىأن يكون له أي دور، وسيمتدّ ذلك، وفق توافقات إقليمية ودولية، إلى إدلب ومنبج، بينما تعلن تصريحات أمريكية متواترة عن عزمها على منع النظام من أي وجود له في منطقة شرق الفرات، بما فيها بعض البقع والجزر التي استمر بها، وبما يشكل حزاماً يمكن أن يكون خانقاً، يتوافق ذلك مع موقف أمريكي صريح بمنع تطبيع العلاقات مع النظام، وإعادة تأهيله، ونلمس دلك في موقف عدد من الدول العربية التي تراجعت عن فتح سفارات لها في دمشق، أو ماولة إعادته للجامعة العربية.
<<<
إلى جانب مفردات هذه اللوحة فأكثر من نصف الشعب السوري المتواجد في مناطق اللجوء، أو المناطق المحررة، إضافة إلى ملايين النازحين داخل سورية، ووجود أعداد كبيرة من المواطنين السوريين المتمسكين بالحرية وتغيير النظام، وإقامة نظام بديل تعددي، مدني، ديمقراطي.. يمثلون القوة الضاربة، لاستمرار الثورة، وللمضي قدماً في طريق العمل لإنجاز أهدافها .
- بالطبع هناك مستلزمات كثيرة واجبة على قوى المعارضة، وفعاليات الثورة، ليس فقط بالاشتفادة من التجربة وأخطائها، بل في وضع برنامج التغيير على جدول العمل، وتجسيد شعار الاصطفاف الوطني بحشدالقوى المعارضة وفعاليات الثورة ضمن إطار جمعي، توافقي وتقوية ممثلي الثورة ليكون ممثلاً حقيقياً لها، قادراً على ممارسة الدور المناط به .
- الثورة لم تكن فعلاً ذاتياً لمحموعة من الأشخاص، أو الأحزاب، إنها التعبير عن مسار تاريخي يجسّد إرادة الشعب بالتغيير وانتزاع الحقوق الطبيعية للمواطن في أن يعيش في نظام حر يتساوى فيه الجميع وفق دستور عصري، وإقامة دولة مدنية، تعددية، ديمقراطية تليق بسورية، وتفتح المجال لحرية الرأي والاعتقاد والتعبير، وتحقيق كرامة الإنسان ..