ياسر الزعاترة – العرب
لم يتوقع حتى أشد المتفائلين بأن جنيف-2 سيؤدي إلى حل المعضلة السورية، فما يجري في هذا البلد ذي الموقع الحساس وصل مستوى من التعقيد لم تبلغه أية ثورة في ربيع العرب، كما أن ارتباطه بقضايا أخرى، منها المسألة النووية الإيرانية، وقبلها الكيماوي الذي يجري تسليمه تباعا، وقبل ذلك وبعده؛ ارتباطها المحوري بالصراع العربي الصهيوني، يجعل الحل النهائي أبعد مما يتصور كثيرون، فكيف حين نضيف إلى ذلك كله ذلك التناقض بين القوى السياسية وبين القوى العسكرية، وقبل ذلك التناقض بين القوى السياسية ذاتها، وبين الفصائل العسكرية أيضا، والذي بلغ مستوى الاقتتال، كما في الأسابيع الأخيرة؟
قلنا إن حضور الائتلاف لمؤتمر جنيف هو القرار الأصوب، وقد ثبت ذلك بالفعل، فقد تحوّل المؤتمر إلى مهرجان إدانة للنظام، لاسيَّما حين جاء وسط حديث عن الجرائم التي ارتكبها النظام بحق المعتقلين، وقتله 11 ألفا منهم في السجون تحت التعذيب. وجرى حشر النظام في الزاوية حين طالب الائتلاف بتطبيق فوري لمقررات جنيف-1، والتي كانت خلاصتها تشكيل هيئة انتقالية كاملة الصلاحيات.
وكان موقف إيران بدوره دليلا على الحرج الذي يواجهه النظام وحلفاؤه، فقد رفضت طهران شرط الاعتراف بمقررات جنيف-1 كشرط لحضور جنيف-2، ما يؤكد أن فكرة المؤتمر من أصلها إحراج للنظام وحلفائه أكثر من كونها إحراجا للمعارضة رغم عدم سيطرتها العملية على ما يجري على الأرض.
كلمة وليد المعلم الشتائمية (التي كتبت له وتكفل هو بقراءتها) لم تغير في حقيقة المشهد الذي تابعه العالم أجمع، لاسيَّما أن حكاية الإرهاب لم تكن من النوع الذي يمر على العقلاء، ليس فقط لأن ستة شهور من الثورة وسقوط آلاف الشهداء لم تشهد رصاصة واحدة، بل أيضا لأن الاشتباكات التي تجري على الأرض بين الفصائل كانت تشير لمشهد آخر غير الذي يروجه النظام، فضلا عن أن قناعة الجميع بأن استمرار النظام يزيد التطرف ولا يحاربه.
أيا يكن الأمر، فقد أيقن العالم الآن أن من يقف حائلا دون الحل السياسي هو النظام، ولا بد من تنازل عن وجود بشار، وأقله دوره في المرحلة الأولى كي يمر الحل السياسي.
أما الذي لا يقل أهمية فهو أن إيران وروسيا لا تقلان حرصا على التوصل إلى حل من الآخرين، فالاستنزاف يطول، ولا أفق لحسم عسكري، وهما يدركان ألا حل مع بشار، ولا بد تبعا لذلك من تنازل عن دوره، وربما وجوده، على أمل الحفاظ على البنية الأساسية للنظام، ويُعتقد أن البنية الطائفية للنظام ستنحاز إلى حل يوقف نزيفها اليومي من الرجال، ويمنحها أملا بالتعايش مع بقية الشعب.
لن يحدث ذلك في زمن سريع، فالشيطان الكامن في التفاصيل سيظهر كل حين، ولا بد تبعا لذلك من توافق أميركي روسي على حل يدعمه نتنياهو بعد أن يقتنع أن الوقت قد حان للحل، فيما يبدو أنه لم يقتنع بعد، وما زال يرى في النزاع فرصة لمزيد من استنزاف القوى المعادية، من إيران إلى حزب الله وتركيا، فضلا عن استمرار النزاع السني الشيعي على خلفية ما يجري هناك، وفي عدد الجمعة من صحيفة «هآرتس» اعترف المحلل الأمني «عاومس هرئيل» بأنه «في الخيار بين بشار الأسد وبين القاعدة، تفضل إسرائيل استمرار القتال»، لكن النتيجة النهائية برأيه هي تفضيل الأسد، وهو ما لن يكون ممكنا في النهاية.
لم تعرف المنطقة نزاعا بهذا المستوى من التعقيد الذي تابعناه ونتابعه في سوريا، ولا ندري إلى أي مدى سيستمر النزيف، لكن سؤال المسؤولية يبقى قائما: هل هي مسؤولية شعب خرج يطلب الحرية ويدفع ثمنها من دماء أبنائه في الشوارع، أم مسؤولية نظام مجرم رد بالرصاص على مطالب الحرية، ومن ورائه تحالف من دول ومنظمات ونخب أدارت ظهرها للمبادئ والقيم والأخلاق؟