ها هي الثورة السورية تدخل عامها الحادي عشر، وها هي الرسائل ترد من كل حدب وصوب، تؤكد إصرار السوريين على نيل حريتهم وكرامتهم، والقصاص من نظام أسدي أثخنت آلته العسكرية إجراماً بحق الشعب السوري.
إحدى عشرة سنة حصدت معها مئات الآلاف وهجّرت الملايين، والمجرم في كل ذلك معروف والأدلة عليه أكثر من أن تحصى، ومع ذلك ما زال العالم يتجاهل هذه الجرائم.
أطلقت الولايات المتحدة الأميركية منذ بدء الثورة السورية تصريحات داعمة للحراك الشعبي الذي طالب بإخراج البلد من نير الاستبداد إلى فضاء الديمقراطية والحرية، لكنّ تلك التصريحات تحتاج إلى أدوات دعم حقيقي تُمكن السوريين من تحقيق غايتهم أو على الأقل تردع الأسد الذي زاد من طمعه تراخي المجتمع الدولي عن وقف إجرامه.
أعلنت الخارجية الأميركية أن شهر آذار 2022، شهر محاسبة للأسد، هي مبادرة إيجابية ومرحب بها من قبل الشعب السوري، بانتظار أن تتبعها خطوات عملية.
الأدلة على إجرام الأسد أكثر من أن تحصى
ما عاد خفياً أن الأدلة التي تدين نظام الأسد ورعاته بجرائم الحرب تفوق تلك التي دانت النازية، وإننا إذ نعرف أن طريق العدالة طويل، وأن المجرم لن يفر من العقاب، نُطالب العالم بتفعيل آلية المحاسبة، فالجريمة ما زالت مستمرة والتهديد بدأ يطرق أبواب الغرب من خلال أوكرانيا.
بحسب تقارير أممية أكثر من 900 ألف وثيقة حكومية هُرّبت أثبتت وقوع انتهاكات ضد الشعب السوري، اسم رأس النظام بشار الأسد موجودٌ فيها، تدلل على أنه كان ينظم هذه الاستراتيجية، وكان يشرف بشكل مباشر على تنظيم سياسات القمع والتحقيق والتعذيب.
محققون أمميون أوضحوا أن هذه الانتهاكات “جهد منظم”، وأنه إذا تمكن أي أحد من ارتكاب تلك الجرائم وأفلت من العقاب وقمع الانتفاضات الشعبية بهذه الطريقة، فسيتبعه آخرون بالأسلوب نفسه، وسيكون المستقبل العالمي أخطر بكثير من الماضي.
خطوة مشكورة، تحتاج التنفيذ
قال قيصر في أحد تصريحاته: “إنّ مهمتنا كانت التقاط صور لجثث الضحايا الذين عذبوا حتى الموت، وقتلتهم فروع المخابرات، وإن كل جثة من الجثث التي وثقناها رُقمت بأرقام ثلاث: رقم يرمز لاسم المعتقل وآخر للفرع الذي قتله والثالث الطبيب الذي أعلن الوفاة “.
إنها جريمة كاملة الأركان فكيف إذا عرفنا أن قيصر فرد من أفراد، وفرع المخابرات الذي عمل لصالحه فرع من الفروع في محافظة من المحافظات السورية، والفترة التي وثق بها سنة ونيف من 11 سنة!
وثق قيصر صنفاً واحداً لإجرام الأسد فكيف بنا وقد وثقت العشرات من التقارير الحقوقية جرائم أخرى ليس أقلها الكيماوي ولا البراميل ولا التهجير القسري والمجازر والقنابل العنقودية وقصف المشافي والمدارس والملاجئ، وقتل الأطفال، وتدمير المنازل والمدارس والمستشفيات وتدمير اقتصاد بلدٍ كامل، لا يمكن أن يُعتبر النظام المجرم الصانع للإرهاب شريكاً في محاربته!
للأسف لم تستطع حتى الآن عقوبات قيصر سَوق نظام الأسد نحو العدالة، وإننا إذ نعتبر سلاح العقوبات الاقتصادية سلاحاً محموداً قد يسهم في تقويض آلة الإجرام؛ نرى أنه غير كافٍ لتحقيق مطالب الشعب السوري.
محاسبة الأسد محكٌ حقيقي يختبر منظومة الأمم المتحدة، ويختبر آلياتها وأدواتها من مجلس أمنٍ إلى محكمة جنايات دولية، وجديرٌ بالمجتمع الدولي أن لا يدع مجرماً كالأسد يزعزع ما تمخضت عنه الحضارة الإنسانية من أدوات .
المسؤوليات كبيرة، والواجبات تجاه العدالة أكبر، وقصر المسؤوليات بحفنة مساعدات وبحزمة عقوبات لن يبرئ ساحة أحد، وإن كان هناك حديث يدور عن حالة سكون تسيطر على سوريا فذلك لأن الجزار أنهى مجزرته، لكن الضحية ما زالت تئن وما زال العالم مقصر تجاه ذلك.
الخارجية الأميركية وإعلانها شهر آذار؛ شهر محاسبة للأسد نعتبرها خطوة رمزية لها الاحترام لدى السوريين، ونريد تحويلها إلى خطوات عملية تبدأ بطرد نظام الأسد من منظومة الأمم وإسقاط كل شرعية عنه في المنظمات الدولية، تمهيداً لمحاسبته في محكمة دولية، بالترافق مع برامج تعزل النظام أكثر، ويمكن أن تعيد للشعب السوري الحرية.