أعلنت الشبكة السورية لحقوق الإنسان في تقريرها الأخير، الصادر في شهر آب 2022، أنها وثقت ما لا يقلّ عن 227 عملية اعتقال/اعتقال تعسفي في تموز 2022، بينهم 16 طفلاً و 9 نساء.
ما هو الاختفاء القسري؟
وفقاً للإعلان المتعلق بحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، الذي اعتمدته الجمعية العامة في قرارها 133/47 المؤرخ 18 كانون الأول/ديسمبر 1992 فإن الاختفاء القسري يحدث عند ‘‘القبض على الأشخاص واحتجازهم أو اختطافهم رغماً عنهم أو حرمانهم من حريتهم على أي نحو آخر على أيدي موظفين من مختلف فروع الحكومة أو مستوياتها أو على أيدي مجموعة منظمة، أو أفراد عاديين يعملون باسم الحكومة أو بدعم منها، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، أو برضاها أو بقبولها، ثم رفض الكشف عن مصير الأشخاص المعنيين أو عن أماكن وجودهم أو رفض الاعتراف بحرمانهم من حريتهم، مما يجرّد هؤلاء الأشخاص من حماية القانون’’.
ظهرت ظاهرة الاختفاء القسري لأول مرة كممارسة للدولة خلال الحقبة النازية لكنها انتشرت على نطاق واسع في ظل الأنظمة العسكرية في أمريكا اللاتينية خلال الستينيات، وانتشرت في عالمنا العربي مع وصول حكومات جاءت بانقلابات عسكرية ولا تمثّل إرادة الشعب. فكان من الطبيعي أن تلجأ هذه الحكومات أو العصابات إلى أساليب راديكالية في العنف والإرهاب للمواطن حتى تتمكّن من قمعه تماماً، خوفاً من أن يكون مصدر تهديد لوجودها واستمرارها على رأس السلطة.
وهكذا لا نبالغ لو اعتبرنا أن النظام الذي أسسته عائلة الأسد في سورية هو من روّاد وحتى أكثر من لجأ ويلجأ لسياسة الاعتقال العشوائي والتعذيب في المعتقلات واتباع سياسة الإخفاء القسري في المنطقة، وهذا من أهم الأسباب الذي دفعت بالسوريين إلى إعلان الثورة على هذا النظام القاتل.
ما هو الموقف الدولي من الإخفاء القسري؟
تعتبر الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري والتي دخلت حيز التنفيذ في عام 2010 واحدة من أقوى معاهدات حقوق الإنسان التي اعتمدتها الأمم المتحدة. وتهدف إلى منع الاختفاء القسري وكشف تفاصيل حقيقة ما جرى والحرص على تحقيق العدالة للناجين والضحايا وعائلاتهم، والكشف عن الحقيقة، وتلقي التعويض المناسب.وتقدم الاتفاقية تعريفاً لجريمة الاختفاء القسري، وتوجز الإجراءات الضرورية التي يجب أن تتخذها الدولة للحيلولة دون وقوع الجريمة، والسماح بالتحقيق ومقاضاة من يرتكبونها. لكن التحدي الكبير هنا هو عندما تكون الدولة هي المجرمة، فمن يحاسبها؟
أيضاً، على الرغم من وجود إطار قانوني دولي، فإن الافتقار إلى آليات مساءلة فعالة يمنع الدول التي تنفذ الاختفاء القسري من الردع الحقيقي. حيث تعتمد اتفاقية الاختفاء القسري على قيام الدول الأطراف بسن تشريعات لتجريم الاختفاء القسري، والتحقيق في الحالات المحتملة، ومحاسبة الأشخاص. تتمتع اللجنة المعنية بحالات الاختفاء القسري، والمفوضة بموجب اتفاقية الاختفاء القسري بمراقبة التزام الدول الأطراف، بسلطة إنفاذ محدودة للغاية، لكن لا يمكنها إجبار الدولة على اتخاذ إجراء وليس لها سلطة معاقبة. علاوة على ذلك، ليس للجنة اختصاص على الدول التي ليست طرفًا في الاتفاقية. كما لا توجد آلية للأفراد المتضررين – شخص مختفٍ سابقًا أو أسرته – لطلب الإنصاف بموجب اتفاقية الاختفاء القسري.
بالإضافة إلى كل ما سبق، ماذا بالنسبة للدول التي رفضت التوقيع على هذه الاتفاقية، مثل سورية تحت حكم عائلة الأسد؟
الآن وبعد سرد هذه الحقائق، ماذا علينا أن نفعل؟
لا شك أن المعطيات تشير إلى أن أصحاب القضية هم المعنيون بإبقائها تحت أنظار العالم بشكل دائم. أي أن هناك آليات دولية لكنها ليست كافية، لذا يقع عمل كثير على أكتاف الشعوب. عليها أن تتكاتف وتجمع جهودها في عدة محاور أهمها:
إعلامياً: عن طريق إبقاء قضية المختفين قسرياً حية في أذهان الشعوب، والتواجد في كل المحافل المحلية والدولية لتمثيلهم والتكلم نيابة عنهم، ونشر الوعي بين مختلف المجتمعات حول سياسات الاعتقال التعسفي والاختفاء القسري الذي تمارسه بعض الحكومات والأنظمة الدكتاتورية حول العالم.
سياسياً: عن طريق الحشد والمناصرة بين مختلف مؤسسات المجتمع المدني حول العالم والتي تشترك في هدف واحد للضغط على الحكومات بهدف إحداث خرق في هذا الملف.
اجتماعياً: عن طريق إيجاد طرق للتشبيك والتواصل بين عائلات الضحايا وتقديم الدعم النفسي والمعنوي وحتى المادي، ومساعدتهم على إيصال صوتهم لأصحاب النفوذ والقرار.
كل بند من هذه البنود يتطلب ورشات عمل وجهد كبير وطاقم مؤمن بعدالة قضيته وأهميتها.
من هذا المنطلق شكل الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية “هيئة وطنية سورية” باسم “الهيئة الوطنية لشؤون المعتقلين والمختفين قسرياً” وتعمل بصورة مستقلة فنياً للدفاع عن المعتقلين والمفقودين السوريين لدى كافة الأطراف وتمثيلهم في المحافل الدولية، باستخدام الوسائل المشروعة بهدف الإفراج عنهم؛ وتعتبر الهيئة المرجع القانوني لقضية المعتقلين السوريين لدى الأمم المتحدة.
بدأت الهيئة عملها في الشهر السادس من العام 2018 بالمشاركة في الدورة الثامنة والثلاثون لمجلس حقوق الإنسان في 24\6\2018 لتنشط بعدها في التحرك والعمل على إنجاز مهامها والقيام بدورها والتعاون والتفاعل مع كافة المعنيين بقضية المعتقلين والمفقودين في سورية على الصعيد الدولي، وبالتنسيق مع المنظمات الحقوقية السورية، وبالتواصل المباشر مع الضحايا الناجين ومع ذويهم في كل ما يخدم قضية العدالة ومحاسبة المجرمين ومنع الإفلات من العقاب وأنصاف ضحايا الاعتقال والإخفاء في سورية.
نهاية، طريقنا طويل لكنه ليس بلا نهاية. وطوبى لمن صبر واحتسب وجاهد في سبيل قضيته وشعبه.