ماذا بعد أخذ البيعة لوريث الصدفة؟

باستثناء عصابة الأسد وحليفيه الإيراني والروسي، هناك إجماع على عدم شرعية ولا أهلية بشار الأسد لإجراء انتخابات رئاسية أو غيرها لأسباب قانونية وأخلاقية وسياسية قُتلت بحثاً وأخذت نصيبها من الطرح خلال الأيام الماضية وهي أوضح من أن توضح.

وشهود النظام هؤلاء هم شهود من أهله، بعدما قامت هاتان الدولتان بتبني نظام الأسد وقد أعلنتا صراحة أنه كان سيسقط منذ سنوات لولا وقوفهما إلى جانبه، طبعاً السقوط كان سيحدث بيد الشعب وبإرادته وإبقائهما له رغماً عن إرادة الشعب.

وشهود النظام هؤلاء أيضاً هم آخر من يحق له أن يشهد بخصوص الانتخابات والديمقراطية، فإيران التي يحكمها المرشد الأعلى بالحرس الثوري والباسيج صاحبة أعلى معدل في الإعدامات وأسوأ سجلات حقوق الإنسان ورعاية الإرهاب والطائفية، دولة مارقة خارجة عن قواعد القانون الدولي والأخلاق والمبادئ الإنسانية، أما روسيا فيحكمها بوتين بتمثيلية تبادل الأدوار مع صديقه ميدفيدف وأخيراً تعديل الدستور ليستمر في السلطة، روسيا التي تسحق المعارضة وتكمم الأفواه وتغتال المعارضين وتلاحقهم في كل الدول، و تعلن أن سوريا حقل تجارب لأسلحتها وورقة تفاوضية بيدها.

ساق الجلاد ذوي الضحايا من ذلك الشعب المعذب المحاصر بالرعب والجوع الذي لم يجد سبيلاً للنجاة من قيد نظام الأسد، إلى عرس الدم والدموع والإذلال، وكرر ذلك السيناريو المضحك المبكي وأخذ البيعة من الضحايا عنوة.

هل سيكون مصير هذه الانتخابات المهزلة أفضل من مصير ما زعمه النظام وحلفاءه من نصر عسكري أبقى- رغم حجم القتل والدمار الهائل- أكثر من 40 % من مساحة سوريا خارج سيطرته؟ ذلك النصر المزعوم الذي عجزوا عن استثماره سياسياً لأنه هناك ثمة حقائق يتجاهلونها لكنها حقائق، وأن ثمة واقعاً مختلفاً مهما حاولوا إشاحة وجوههم عنه لكنه واقع، سوريا اليوم ليست ولن تعود سوريا إلى ما قبل 2011، سوريا بعد مليون شهيد ومئات آلاف المعتقلين ونصف الشعب المهجّر، النازح واللاجئ، وأن حلفاء خارجيين بهذه المواصفات لن يكونوا أكثر من احتلال مصيره الزوال ولن يتمكنوا من إبقاء هذا النظام بعد الثمن الباهظ الذي دفعه الشعب من أجل حريته.

لن تُنسي مرارة الواقع السوريين من يكون هذا النظام وسجله الحافل بالجريمة قبل الثورة والمستمرة خلالها، حجم الآلام لن ينسي السوريين حافظ أسد الذي انقلب على البعث وأعدم ونفى قياداته من رفاقه ثم انفرد بالسلطة باسمه، وزرع الطائفية وحكم البلاد بالفساد والإرهاب والحديد والنار، حافظ أسد الذي ارتكب هو وأخوه رفعت أبشع المجازر بحق السوريين ثم أورث الحكم لوريث الصدفة الذي تقلد الحكم فقط لأن الوريث الذي كان يتم إعداده قد قضى بحادث سير فاضطر أبوه لإعداده ليكمل مسيرة الخراب، لن ينسى السوريون أنه في هذا النظام رئيس وزراء قد قتل ووزير داخلية قد قتل، وأن خلف كواليس السلطة عالم من الجريمة المنظمة والنهب الممنهج ، فما بالك بأوضاع الشعب الذي يعاني الإخفاء والقتل تحت التعذيب لكل صوت يعارض على مدى نصف قرن.

هذا النظام الذي تسبب وتعمد تأخير سوريا الرائدة عن العالم وحتى عن محيطها، وفي كافة المجالات، فأفسد الاقتصاد والثقافة والمجتمع وكل جزء في سوريا امتدت يده إليه، ثم جاء الدور على هوية سوريا ففتح لإيران الباب على مصراعيه.

النظام الذي فرَط بالأرض والسيادة وتآمر على فلسطين وقضايا الأمة، وها هو مع ثورة الحرية والكرامة يختم سجله الأسود بتدمير البلاد من أقصاها إلى أقصاها وتهجير أهلها ثم تسليمها لروسيا ولميليشيات إيران الطائفية.

النظام المحاصر بالعقوبات والمعزول سياسياً واقتصادياً والذي يتعامل معه المجتمع الدولي كوصمة عار ويتبرأ الجميع من تهمة العلاقة معه.

هل ستمحو مجرد مسرحية انتخابية سيئة الإخراج كل هذا التاريخ وتفتح له أبواب المستقبل؟ وهل ستكون هذه الانتخابات البائسة أفضل حظاً مما تفاخر به من تدمير لمدن الثورة وتهجير أهلها واعتبار ذلك نصراً، كانت ثماره مزيداً من العزلة والغرق بدماء السوريين؟

واليوم بعد أن انتهت هذه المهزلة وسخر العالم من هذه المسرحية السمجة وبكى السوريون حالهم هذا، ما الذي سيجري؟ لا شيء سيعود السوريون للوقوف في الطوابير وتعود أفرع الأمن التي استنفرت لترتيب حلقات الخوف إلى الاعتقالات والتعذيب، وسيخرج رأس النظام بخطاب يضحك فيه ويعلن أن الشعب جدد الولاء والبيعة وتقدم خطوة أخرى في هزيمة الإرهاب والمؤامرة!

اليوم انتهى “العرس” وعاد كل شيء إلى ما كان عليه من بؤس وواقع أليم، فالكل يعلم أن لا شيء سيتغير في سوريا إلا إلى الأسوأ بوجود هذا النظام والنصف قرن من الزمن التي مضت يشهد على ذلك.

أدانت عديد الدول المؤثرة انتخابات الأسد وحتى قبل إجرائها قالت إنها غير شرعية وتخالف قرارات مجلس الأمن ودول عديدة أخرى رفضت أن تجري تلك الانتخابات على أراضيها.

رفض السوريون في المناطق المحررة ودول اللجوء الانتخابات ورفضتها مؤسسات الثورة السورية الرسمية وكافة عناوين الثورة الأخرى، كل ذلك أمر جيد لكنه لا يكفي فنحن في مرحلة مختلفة تماماً فالنظام خالف قرارات مجلس الأمن، ومسارات الحل المتعطلة واللجنة الدستورية المتعثرة مستمراً بسياسته في التهرب من كل استحقاق، لعلمه أن كل سيناريوهات الحل تعني شيئاً واحداً هو رحيله وطي صفحته المظلمة للأبد.

لابد اليوم من التحرك على كافة الأصعدة لمحاسبة هذا النظام المارق والمزيد من عزله ولا بد من تجميد عضويته في المنظمات الدولية التي ضرب عرض الحائط بالتزاماتها أسوة بمنظمة حظر الأسلحة الكيماوية، ولا بد من منح التمثيل فيها لممثلي ثورة الشعب السوري، هذا فقط ما يمكن أن يشكل رداً على جريمة أخذ البيعة لمجرم الحرب، وخطوة في طريق إنهاء معاناة الشعب السوري وتحقيق الاستقرار في المنطقة وإيقاف الابتلاع الإيراني لها.

وفي اليوم التالي لمهزلة أخذ البيعة أيضاً، سيستأنف السوريون كفاحهم للخلاص منه وهم واثقون بأن المستقبل قادم وأن النظام زائل، الثوار في الساحات والجنود مرابطون والقلوب والعقول والأيدي تعمل من أجل سوريا حرة وإنجاز هذا الخلاص القادم بإذن الله.

مواضيع متعلقة

المصدر: وكالة زيتون

مشاركة
غرد
إرسال
بريد

أحدث المقالات

مقالات أخرى للكاتب عبد الباسط عبد اللطيف
مقالات أخرى من وكالة زيتون

البيانات الصحفية

أخر الأخبار

Welcome Back!

Login to your account below

Retrieve your password

Please enter your username or email address to reset your password.

Add New Playlist