حل جبهة النصرة مطلب وطني
بشير البكر
تشهد مناطق ريف محافظة إدلب مظاهرات ضد جبهة النصرة وزعيمها أبو محمد الجولاني. وعلى الرغم من أن هذا الحراك لا يزال في حدود متواضعة، إلا أنه يحمل رسائل ذات أبعاد هامة، أولها أنه جاء متأخرا، ولكنه أفضل من أن لا يأتي أبدا. ومن هنا، يجب أن تتكاتف كل القوى السورية الحية من أجل تعميم هذا الحراك وتوسيع نطاقه، ليتحوّل إلى موقف عام ضد هذه الظاهرة التي أضرّت بالشعب السوري، ولم تلحق أي أذى بالنظام. والرسالة الثانية أن رفض السوريين جبهة النصرة، ورفعهم رايات الثورة، يعكس الجوهر الفعلي للشارع السوري الذي تحرّك، منذ اليوم الأول للثورة، على أساس سلمي، وكان يريد لثورته أن تبقى مدنيةً بعيدةً عن التديّن والعسكرة والطائفية والإرهاب، ولكن الأجهزة التي تشتغل لصالح النظام وأصحاب الأجندات الخارجية وضعوا كل ثقلهم من أجل حرف الثورة عن مسارها، واختاروا الاستثمار في هذا الوجه الكالح المتطرّف الدموي، كي يجهضوا الثورة، ويحافظوا على النظام. وتتلخص الرسالة الثالثة في أن “النصرة” لا حاضنة شعبية لها بين السوريين، وما ظهور الشعب في مظاهرات ضدها إلا تعبير عن الرفض المطلق لها، والعبرة أن تكبر دائرة الحراك، وتأخذ مداها، وأن يكسر الشارع جدار الخوف، كي ينبذ هذه الفئات المفلسة، ويبعدها عن آخر ما بقي للمدنيين من ملاذٍ آمنٍ في محافظة إدلب. أما الرسالة الرابعة فيعبر عنها موقف بعض المستفيدين من هذه الظاهرة، وخصوصا الروس الذين استخدموها ذريعةً لتصفية الفصائل السورية المنضوية في الجيش الحر، ولتهيئة الأجواء لإعادة تأهيل النظام. وعلينا مراقبة مواقف الأطراف المستفيدة، كي نفهم بوضوح إمكانية انتهاء دور هذا التنظيم من عدمه، والتوقيت المناسب لذلك.
لا يريد الشعب السوري أن تكون جبهة النصرة بديلا للنظام، ولا يعوّل على أي دور لها في محاربة النظام، وهي لم تقم بذلك أصلا، ويسجل تاريخ المواجهات العسكرية التي خاضتها أنها لم تخض أي مواجهة ناجحة مع النظام، وقد تجلّى هذا خلال خلال معارك الشهور الأخيرة، حيث تحمّل الفصائل المقاتلة على الأرض “النصرة” مسؤولية تقدّم النظام، فهي من جهة لم تقاتل، مع أنها تمتلك السلاح الثقيل حصريا. ومن جهة ثانية، منعت الجيش الوطني من إدخال تعزيزات وأسلحة ثقيلة إلى جبهات القتال في ريف حماة الشمالي. وقد سبق أن حدث هذا السيناريو في مواجهاتٍ أخرى، ومثال ذلك على جبهة حلب في أغسطس/ آب 2016. ولعبت “النصرة” دورا مهد لتسليم المدينة للروس والإيرانيين في نهاية العام نفسه.
لعب هذا التنظيم دورا واضحا في خدمة النظام، عندما دمر كل الفصائل الكبيرة والصغيرة، مثل “أحرار الشام”، وصادر سلاحها الثقيل، ومنع أي نشاط عسكري ضد النظام في المناطق التي كان يسيطر عليها. ومن جانب آخر، أغرق الساحة بالتطرّف، ومنع بالقوة كل النشاطات المدنية. ولذلك سجن غالبية الناشطين السلميين، وصفى جسديا العديد منهم، وجديدهم الناشط سامر السلوم الذي توفي تحت التعذيب في سجون “النصرة” بعد احتجاز دام أكثر من سنة.
تتلطى جبهة الجولاني، منذ تأسيسها في عام 2012، خلف المدنيين وبينهم، كي تحمي نفسها من الاستهداف، ولكنها مع الوقت أخذت كل السوريين رهائن، ولأنها تحوّلت إلى ذريعة روسية ايرانية فإنها تتحمّل القسط الثاني من مسؤولية الكوارث التي حلت بالسوريين، في حين يتحمّل النظام الجزء الأول.
صار مطلبا وطنيا رحيل جبهة الجولاني بكل رموزها، من أجل هدف وحيد، وقف تهجير السوريين، فليس هناك بعد إدلب مكان يمكن أن يقصده أربعة ملايين سوري، أغلبهم تم تهجيرهم من مدنهم الأصلية، بعد أن وفرت “النصرة” الذريعة.
المصدر: العربي الجديد