سورية الآمنة
بهاء العوام
كل محتل من المحتلين الأربعة لسوريا، روسيا وتركيا والولايات المتحدة وإيران، يفضل أن تبقى مناطق نفوذه كيانا مرشحا للاستقلال أو التبعية المباشرة له لأجل غير مسمى. لذلك يحاول التسويق لمنطقته عالميا بوصفها الأكثر أمنا وأمانا، والأوفر حظا في تنفيذ خطط إعادة الإعمار والبناء.
ولا نذيع سرا عندما نقول إن سكان المناطق المحتلة في سوريا يفضلون المحتل على النظام. ليس تنكرا لسوريّتهم، وإنما قناعة بأن بناء دولة آمنة بأفضل من مواصفات كيان يتبع لدولة الاحتلال، لن يحدث طالما بقي بشار الأسد على رأس السلطة في دمشق واستمر في المتاجرة بالبلاد، بشرا وحجرا.
سوريا الآمنة هي حتما أفضل من أي جزء يمكن أن يعيش فيه السوريون تحت حماية محتل، ولكن هذه الدولة المنتظرة لن تشيّد بأذرع “الأسود” الذين فضلوا تدمير البلاد على احتواء أولاد رسموا عبارات تطالب بإسقاط النظام، في موجة ربيع عربي ألغى حدود الدول وتجاوز جميع الخطوط الحمر.
يسهل الوصول إلى هذا الاستنتاج عبر تقييم مناطق النظام اليوم. فهي مناطق نهب وعصابات واختطاف وغياب للقانون وهشاشة في الأمن، حتى يمكن القول إن هذه المناطق باتت تدار بجهود محلية مع حضور خجول للدولة بأدواتها التقليدية، الشرطة والأمن والحزب والمؤسسات الرسمية.
أقل المناطق أمنا في سوريا هي التي تتبع للنظام، فالأخطار التي تحدق بها أكثر من المناطق الخارجة عن سيطرته. يكفيك الميليشيات التي تظن نفسها انتصرت في الحرب على الإرهاب وتمارس استبدادا رخيصا على الناس بحجة حمايتهم. لا رادع أخلاقيا لهذه الميليشيات ولا سطوة للدولة عليها.
في مناطق النظام يخشى السوريون كل شيء، يخشون الجوع والفقر وتردي الأوضاع الاقتصادية والجهل والانحلال الخلقي والمخدرات والإرهاب، كما يخشون أجهزة الأمن والعصابات والأميركيين والأتراك والإيرانيين والروس وميليشيات حزب الله والأفغان والشيشان، وكل أجنبي جاء ليحارب إلى جانب النظام أو ضده.
لن يستطيع الأسد خلق دولة آمنة بعدما تحول إلى رئيس صوري يقرر ما تريده إيران وروسيا. وعندما نضيف لهاتين الدولتين بريطانيا وفرنسا وإسرائيل وتركيا والولايات المتحدة، يصبح أقصى ما يمكن للأسد فعله هو تهنئة كل دولة محتلة من الدول السبع على منطقتها الآمنة فوق جزء من تراب سوريا.
لا يحمل اليقين بعجز الأسد عن صناعة الدولة الآمنة، أي تفاؤل بنجاح المناطق الآمنة عبر المحتلين. لن ينعم سوري بالأمن وهناك سوري آخر يتربص به، لن يشعر سوري بالأمان وهو محاصر بدوائر الخوف من القريب والغريب، حتى ولو خلت السماء فوقه من الطائرات والصواريخ.
الرهان على المناطق الآمنة، هو سعي مبطن لإطالة أمد الأزمة إلى ما لا نهاية. لن تصنع أكياس الرمل والأسلاك الشائكة من القواعد العسكرية الأجنبية أوطانا صالحة للعيش، ولن ينقذ مستقبل الأطفال السوريين في المناطق الآمنة هتافهم للرئيس التركي رجب طيب أردوغان أو الأميركي دونالد ترامب.
السوريون يحتاجون إلى دولة آمنة وليس منطقة آمنة. يحتاجون إلى دولة آمنة وليس دولة أمنية كما كانت قبل ثماني سنوات. حجر الأساس في هذا هو المصالحة الوطنية، ولن تقع مصالحة قبل رحيل من هدر دم السوريين، نظاما ومعارضة.
المصدر: العرب