اليوم لسنا هنا لنوجه رسائل للمجتمع الدولي أو نقوم بالتنديد والاستنكار وتسليط الضوء على الجرائم التي يتم ارتكابها على مرأى ومسمع الجميع… المجتمع الدولي أثبت ليس فقط أنه لا يريد أن يسمع أو يرى ما يحصل في سوريا بل هو مصاب بشلل كامل…
بالرغم من هذا ما زال هناك سوريات وسوريين يحملون في حياتهم اليومية وفي قلوبهم هذه الثورة العظيمة وقضية شعب أراد التخلص من الاستبداد وواجه العالم بأجمعه للحصول على الحرية والحياة الكريمة
ما زال أحد أهم أولوياتنا ملف المعتقلين والمفقودين والمغيبين… وعلينا ألا ننسى أهلهم الذين ينتظرون لقائهم أو على الأقل معرفة مصيرهم
تحية لهم وتحية لكل من يتصدى لهذا النظام المجرم ويقاتل من أجل الشعب السوري وقضيته
تحية للمدنيات والمدنيين الحاضنة الحقيقية للثورة… وهم من تحملوا وما زالوا يتحملون تداعيات التخاذل الدولي… وهم بوصلتنا في عملنا الذي يهدف بشكل أساسي للتخفيف عنهم وبالأخص اليوم أولئك في إدلب وريف حماه الشمالي
في هذا الصدد ما زالت الحملة العسكرية الشرسة التي يشنها النظام على المنطقة الشمالية الغربية مستمرة بدعم مباشر من حليفه الأساسي روسيا ودعم غير مباشر من كل من يشهد هذه المحرقة بصمت ودون أي تحرك حقيقي لوقفها…
في هذه المنطقة أكثر من ٤ مليون مدنيين عزل، يدافع عنهم بضعة آلاف من الثوار في وجه إحدى أكبر القوى العسكرية في العالم التي تستهدف مشافي وسيارات الإسعاف وفرق الاستجابة – الدفاع المدني السوري – والأسواق الشعبية…
اليوم هذه المنطقة هي البوصلة لكافة المحاور المتعلقة بالقضية السورية – الإنسانية والسياسية والعسكرية
اليوم ثورتنا بكافة قواها مستهدفة – وليس فقط إدلب…
لذلك اليوم قوتنا تكمن في وحدتنا… اليوم علينا العمل سوية على معركتنا الأساسية… في مواجهة النظام وحلفائه وكل من يخدم مصالحه بشكل مباشر أو غير مباشر…
اليوم، ١٩ آب يصادف اليوم العالمي للعمل الإنساني… في هذا اليوم الذي تم إقراره من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام ٢٠٠٨ والذي يكرّم العاملين في مجال المساعدة الإنسانية، في هذا اليوم تشهد إدلب كارثة إنسانية بكل معنى الكلمة…
مئات الآلاف من المدنيين نزحوا خلال أقل من أربعة أشهر الماضية من بداية الحملة في أواخر شهر نيسان، معظمهم يقبع في العراء دون الحد الأدنى من الاحتياجات أو مقومات الحياة الأساسية… وبدون أي مساعدات إنسانية في اليوم العالمي للعمل الإنساني
ومن هذا المنطلق، خلال الأشهر الماضية كان التركيز الأساسي لتواصلنا مع الجهات المعنية بالملف السوري حول الوضع الإنساني في شمال غرب سوريا، وكان معظم التواصل مع الدول والجهات المانحة وكان على رأس مطالبنا إعادة الدعم للمنظمات والجهات العاملة على الأرض والتي تقدم المساعدات والخدمات الأساسية والإنسانية لملايين المدنيين…
للأسف هناك مع يعمل على وقف هذا الدعم عن السوريين ومنهم من يعمل على وقف هذا الدعم عن إخوتهم السوريين…
ونحن بالتحديد نتابع لقاءاتنا وتواصلنا مع المسؤولين في تركيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والدول العربية حول الوضع في إدلب وريف حماه الشمالي وكان تركيزنا منذ أكثر من عام حول أهمية حماية هذه المنطقة التي استقبلت المهجرين قسراً من كافة أنحاء سوريا ونوهنا إلى أنها الملاذ الأخير للسوريين حيث لا مكان آخر لهم للنزوح… فلا إدلب بعد إدلب…
عدم تحرك الدول، هو الذي أوصلنا إلى هذا الوضع، وفي ظل هذه الحملة العسكرية من قبل النظام وحلفاؤه سيكون مستحيلاً بقاء المدنيين في هذه البقعة إذا استمرت هذه الحملة وتم حصرهم في منطقة تضيق أكثر يوماً بعد يوم… وعلى المجتمع الدولي تحمل مسؤولية العواقب بما في ذلك تدفق الملايين المحاصرين في هذه المنطقة خارج الحدود السورية…
ومن الغريب أنه في هذا الوقت وهذه الظروف أن يقوم مجلس الأمن بتأجيل الجلسة الشهرية حول سوريا… إن هذا يرسخ الانطباع لدى الشعب السوري أن المجتمع الدولي غير مكترث لما يحصل في سوريا وأن الدول تريد التهرب من مسؤولياتها…
حتى إذا لم يكن المبعوث الأممي إلى سوريا السيد غير بيدرسين قادراً على عقد هذا الاجتماع، كنا نتوقع أن الأمين العام للأمم المتحدة السيد أنطونيو غوتيريش سيكون مهتماً بأكبر موجة نزوح وتهجير ولجوء يعرفها التاريخ الحديث منذ الحرب العالمية الثانية وهو كان لأكثر من عشر سنوات المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين…
اليوم نحن نعرف أن الثورة حية وبقوة عند الشعب السوري، تتجلى بأولئك الذين فتحوا بيوتهم وقلوبهم للمهجرين والنازحين، المدنيين في الشمال الذين بذلوا وما زالوا يبذلون كل ما في وسعهم للتخفيف عن اخوتهم من السوريات والسوريين… بالإضافة إلى السوريين في الخارج في كافة أنحاء العالم الذين يقدمون ما يمكنهم من الدعم المادي أو المعنوي أو عن طريق المناصرة من خلال الوقفات أمام السفارات ومقرات الأمم المتحدة أو إيصال صوت السوريين وقضيتهم إلى كافة المنابر التي يمكنهم الوصول إليها…
كل هذا بعد أكثر من ٨ سنوات من بطش النظام وتخلي المجتمع الدولي هو أكبر دليل أن السوريين لم ولن يغيروا قرارهم بمواجهة نظام الأسد وكل من دعمه ويدعمه، بل يزدادون إصرار على أن مستقبل سوريا لا يمكن أن يحقق تطلعاتهم إذا بقي هذا النظام… ومهما طال دربنا، عندما تنتصر الثورة لن ننسى من وقف معنا ومن تخلى عنا…
اليوم نشهد صموداً اسطورياً في وجه دول وقوى كبرى لديها أحدث العتاد والأسلحة، ونرى كما يرى العالم بأجمعه قصفاً يستهدف المراكز الحيوية، والمدنيين العزل، والمدارس والمشافي وبيوت العبادة والأسواق الشعبية، وبكافة أنواع الأسلحة، التقليدية والمحرمة دولياً… ودون أي تحرك حقيقي من دول العالم…
في بدايات الثورة كان النظام منهزماً بالرغم من بطشه وفتح النار على المظاهرات السلمية وزاد حرجه وانهزامه كلما زادت نقاط التظاهر… باعتراف روسيا كان النظام على وشك الانهيار عندما قررت أن تتدخل بشكل مباشر وتساعده عسكرياً بقصف السوريين بطائراتها… اليوم قوتنا تكمن في وحدتنا، وفي تحركنا على كافة الجبهات… أقولها مرة أخرى، علينا فتح كافة الجبهات التي يمكن أن نفتحها في كل مكان نتواجد فيه… وعلى كافة المستويات – سياسياً ومدنياً وعسكرياً وإعلامياً…
نحن في الائتلاف نعمل على ذلك بالتعاون والتنسيق مع كافة القوى الثورية والجهات السورية المعنية وكافة الفصائل خاصة المنضوية في الائتلاف وأولويتنا اليوم هي إدلب وريف حماه الشمالي وكافة المناطق المحررة حيث تستمر روح الثورة…
وهذا يتطلب تكاتفاً أكبر في صفوف الثورة وبين السوريين في كل مكان ومواقف أكثر شجاعة وأكثر إنسانية وأكثر حزماً ووضوحاً من قبل من أطلقوا على أنفسهم لقب “أصدقاء الشعب السوري”…