عقاب يحيى
يجب أن نسجل اسبقية للائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة في اتخاذ موقف برفض حضور سوتشي من خلال الهيئة السياسية، ثم في الدورة ال 36 للهيئة العامة، وتأكيده في الدورة ال 37 ..بعد مكناقشات مستفيضة تجاوزت الشكل إلى المضمون .
ـ بدءاً فروسيا دولة مختلة لبلادنا وقامت بأعنف وأبشع الأدوار في مناصر نظام الجريمة والفئوية ومنع سقوطه واستخدام حقها بالنقض ” الفيتو” تسع مرات لمنع اتخاذ قرارات تجرّم استخدامه السلاح الكيماوي، وتحاسبه على ممارساته الإبادية بحق الشعب والبلاد.
ـ وروسيا مصرّة على بقاء النظام ورأسه ومحاولات تمرير ذلك عبر أشكال متعددة، لذلك ليست هي الطرف المحايد، أو المؤهل لكي تتولى قيادة مشروع للتسوية السياسية .
ـ كان هذا هو الإطار العام لموقفنا الرافض، وحين مناقشة التفاصيل، والمشروع الروسي المطروح، والهدف من مؤتمر سوتشي توقفنا مراراً عند مجموعة من المحاور والمسائل المهمة التي دعّمت موقفنا برفض المشاركة، ومنها :
- واضح أن روسيا تهدف إلى إجراء مصالحة إذعانية مع النظام تحت عنوان : الحوار الوطني العام بجلي أكثر من 1700 مشارك جلهم من المحسوبين على النظام، والادعاء بتحقيق خطوة تصالحية، وطي صفحة السنوات السبع، وفتح صفحة جديدة تقول ” عفا الله عمّا مضى” وعن جرائم النظام وما فعل، وتمنع محاسبته وتحويل رئيسه وكبار رموزه إلى محكمة الجنايات الدولية . وعبر ذلك تكريس بقاء النظام لفترة مفتوحة، بما فيها السماح لرئيسه بخوض الانتخابات الرئاسية” كمواطن سوري” مثل بقية المواطنين.
- دأبت روسيا على طرح مشاريع انفرادية تكريساً لمسار بديل عن جنيف حيث يمكنها الاستفراد، والإفلات من دور الآخرين، ومن فرض ما تراه، ولئن اضطرت تحت ضغط المعارضة، ووفد الهيئة العليا للمفاوضات، وبعض الدول، خاصة تركيا، إلى القبول بحضور الأمم المتحدة، والحديث عن استمرار مسار جنيف، ووضع مخرجات لقاء سوتشي في ” صندوق الأمم المتحدة” للتعامل معها.. فإن النهج الروسي هو الأساس، الأمر الذي يلقي بشكوك كبيرة حول الوعود الشفهية، وهو شأن يمكن قياسه على جميع الوعود الأخرى التي اضطرت روسيا للقبول بها لتأمين حضور قوى المعارضة .
- جوهر المشروع الروسي يعتمد على ركيزتين هما : الدستور والانتخابات .
في الأول حاولت روسيا منذ بدايات اجتماعات أستانة طرح مشروع دستور لسورية من صياغتها، وقد رفض المشروع فكرة وجوهراً من منطلق أن الدستور يجب أن يكتب من قبل لجنة دستورية سورية مختصة تعيّنها هيئة الحكم الانتقالي كما نصّ على ذلك بيان جنيف 1، وبقية قرارات الشرعية الدولية، وأن موقعه يأتي تالياً للاتفاق على عملية الانتقال السياسي وبدئها، وكذلك الانتخابات، ومضمونها ومحدداتها . - عملياً يعني ذلك نسف وتجاوز العملية الانتقالية برمتها، وبيان جنيف وما نصّ عليه من تشكيل هيئة الحكم الانتقالي الركيزة والتي ستقوم بجملة من الخطوات والمهام يأتي ضمنها، وفي مرحلة متقدمة منها صياغة دستور جديد للبلاد، ثم إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية بإشراف كامل من قبل الأمم المتحدة .
عملية الانتقال السياسي عدا عن كونها ستحدد مصير الأسد منذ بدئها وإبعاده عن أي دور فيها، كما جاء في بيان متمر الرياض 1 و 2 وفي قرارات الائتلاف، فإنها ستعالج وضع الأجهزة الأمنية بإعادة هيكلتها وتنظيمها، لأنه من غير المعقول الحديث عن اي انتخابات في ظل سيطرتها، والدولة العميقة للنظام، وستكون النتائج معروفة ومحسومة، وكذا الأمر في المؤسسة العسكرية ومعالجة وضع فصائل الجيش الحر، والمعتقلين، وعشرات القضايا الرئيسة . وبما يعني دفن جميع قرارات الأمم المتحدة الخاصة بسورية بدءاً من بيان جنيف 1، ووصولاً إلى القرار 2254 . - انصبّت الاعتراضات، ايضاً، على مجموعة من المحاور المهمة التي طرحتها روسيا كبرنامج ومهام، ومنها كيفية تشكيل اللجنة الدستورية، ومن الجهة المخولة، والاقتراح الروسي باختيار نحو 150 من بين أعضاء اللقاء ليسهموا في اللجنة الدستورية، وغيرها، وطرق اختيارهم، والجهة المعنية . وورود تعابير روسية واضحة عن معارضات عبر عنها الوفد الروسي في لقاءاته الطويلة مع وفد هيئة المفاوضات بأنها متعددة وتتجاوز الهيئة إلى أخرى موجودة في دمشق وفق اعتبارات الروس والنظام، وبالتالي تعويم المعارضة وخلط الأوراق .
وهناك كثير التفاصيل والبنود محل الخلاف والتي أعلن الروس بعد حوارات وضغوط تركية وغيرها التخلي عنها لصالح بدائل قدّمت من وفد هيئة المفاوضات.. في حين يبقى الشكّ أمراً واقعياً، خاصة وأن الوعود شفهية ويمكن التراجع عنها، والنكوص بها . - التعامل بعنجهية واستهتار مع وفد المعارضة وإطلاق سيل متلاحق من التوصيف، والتهديد لكل من سيمتنع عن الحضور، أو يطالب برحيل المجرم بشار .
لقد انتفخت أوداج الحكومة الروسية بعد حلب، وكان واضحاً محاولة فرض منطق المنتصر على المعارضة عبر مشاريع إذعانية لا يمكن القبول بها، ولهذا فرفض المشاركة يكون بعض ردّ المعارضة على تلك العنجهية المتغطرسة التي لم توقف حملات الإبادة ضد شعبنا وقوات الجيش الحر، وتأكيد عمق الوطنية السورية وتمثيلها لإرادة السوريين، والتمسك بالثوابت والأهداف التي ضحّى شعبنا لأجلها بأكثر من مليون شهيد، وأكثر منهم من المعطوبين والجرحى، مئات آلاف المعتقلين والمفقودين.. وبالنزوح والهجرة واللجوء والحصار والمعاناة ..
ومع ذلك، ومع الإصرار على المقاطعة كموقف مبني على تلك اتلمعطيات، وليس مجرد رد فعل، او حالة مظهرية، فقد أعلنا استعدادنا للتعاطي مع مخرجات سوتشي إن أجابت على أسئلة السوريين، وقدّمت مشروعاً منسجماً وقرارات الشرعية الدولية وأسس الحل السياسي الشامل، ووضع تلك المخرجات تحت تصرف الأمم المتحدة كجهة رسمية وحيدة مخولة، ومقبولة. وسنتفاعل بكل مسؤولية معها .