سورية ليست جنوب لبنان
أرنست خوري
خلال حرب صيف 2006 بين إسرائيل وحزب الله، أصرّ طاقم إيهود أولمرت في حينها على أنها ستكون “الحرب الأخيرة” على ما يسمونها الجبهة الشمالية. المقصود كان أنها لن تنتهي إلا بانتهاء الحزب. بكل الأحوال، اختُتمت المواجهة بـ1200 قتيل لبناني في مقابل 150 إسرائيلياً تقريباً (عدد منهم مدنيون عرب من فلسطينيي 48 بالمناسبة)، وبدمار شامل في لبنان، في مقابل بعض الدمار “الرمزي” في الأراضي المحتلة وذعر كبير في ملاجئ المدن والكيبوتسات والمستوطنات، وكلام كثير عن “انتصار إلهي” هنا، وقناعة هناك بأنها لن تكون الحرب الأخيرة مثلما أراد المستوى السياسي الذي اختصرته الصورة البلهاء لوزير الحرب في حينه، عمير بيرتس، وهو يدّعي مراقبة أحداث الجبهة بالمنظار العسكري، بينما كانت عدستَا المنظار مغلقتين. لم ينتهِ حزب الله مثلما بات معلوماً، بل ازداد قوة في الداخل وفي الخارج، سياسياً وعسكرياً، والخارج هنا يحيل إلى فتح فروع وملاعب جديدة له في سورية خصوصاً واليمن والعراق تالياً، من دون الحديث عن الدكاكين الصغيرة في عدد من دول المنطقة، قبل الاتفاق النووي مع إيران وبعده.
مناسبة استذكار تلك الأيام الـ33 السوداء على لبنان هي أحداث الساعة ونصف الساعة من عصر الأحد الماضي على الشريط الحدودي، والتي أعطتنا فكرة عما ستكون عليه الحرب المقبلة، التي ربما بدورها لا تكون الأخيرة: استهداف آلية عسكرية إسرائيلية بصاروخين موجّهَين اثنين من حزب الله في عمق ثلاثة كيلومترات من الحدود الفلسطينية المحتلة، رداً على مقتل عنصرين اثنين (وفق رواية حزب الله) قبل أسبوع في ضاحية دمشق بغارة إسرائيلية. ولكي يزيل حزب الله أي لبس حول طبيعة عمليته، وما إذا كانت انتقاماً لقتلاه في سورية أو لأي سبب آخر كأن تقدّم إجابة عن لغز الطائرتين المسيّرتين اللتين سقطتا في الضاحية الجنوبية لبيروت، بالتزامن مع استهداف الحزب في عقربا، فقد نسب الحزب عمليته الأخيرة على الحدود إلى “كتيبة الشهيدين ياسر زبيب وحسين ضاهر”، وزبيب وضاهر هما القتيلان إياهما في عقربا السورية. ولم تمرّ سوى دقائق على إطلاق الصاروخين، حتى سقطت مائة قذيفة (بحسب الرقم الإسرائيلي) على أطراف قرى لبنانية حدودية (مارون الراس وعيثرون ويارون) رداً على إعطاب الآلية التي ترجّح معطيات الإعلام العبري حتى أن مَن كان في داخلها أصيب على الأقل، على الرغم من النفي الرسمي من تل أبيب الساعية إلى تفادي الدخول في حرب قبل 16 يوماً من انتخابات الكنيست.
ليس الجديد في الواقعة تفرُّد حزب الله بقرار الحرب والسلم وفرضه على اللبنانيين، مواطنين ودولة، فهذا بات مفروغاً منه، لا بل يتفاقم حتى وصل إلى ذروته اليوم مع وجود طاقم سياسي في بيروت أوصله حزب الله إلى السلطة. ولا الجديد هو تهافت الشعارات الشعبية الحربجية عن “فِدا السيد” و”سنخوض البحر معكم” مع نزوح أهل الجنوب أفواجاً أفواجاً عند انتشار أول أنباء عملية حزب الله وردّ إسرائيل، فمشاهد النزوح الجماعي تعيد النقاش إلى إطاره البشري الطبيعي الذي يخشى الحرب ويكره الموت، وينتزع الخطاب من مستواه الأيديولوجي ـ الديني الذي يطالب البشر بأن يشتهوا الموت على أنه شهادة، وأن يكرهوا حياة الدنيا طمعاً بالآخرة. لا هذا هو الجديد ولا ذاك، بل هو أمر آخر تماماً: عجز حزب الله عن مواجهة إسرائيل انطلاقاً من الأراضي السورية، على الرغم من إقامة مديدة له هناك، زاد عمرها عن السبع سنوات حتى الآن. وأحد أهداف “انتقال” الحزب إلى سورية كان محاولة تحويل الجنوب السوري إلى جنوب لبناني آخر، أي أن يصير الجولان وجزء من درعا وأرجاء من السويداء والأرياف هناك، جبهة “حرب عصابات” بديلة عن الجنوب اللبناني المنهك بناسه وبحجره من الحرب، غير أن الغارات الإسرائيلية الأسبوعية التي تستهدف الحزب هناك منذ سنوات، تحت عيون روسية، أعادت إلى الجغرافيا محدوديتها، وللمنطق مكانته، فالجنوب السوري ليس الجنوب اللبناني، ذلك أن لا بيئة حاضنة لحزب الله في سورية، على الرغم من كل جهود التغيير الديمغرافي المبذولة منذ سنوات.
المصدر: العربي الجديد