الحاقد والخسيس والمجرم..قصة الملالي
يحيى العريضي
صدّع قادة إيران رأس العالم بمزايداتهم في “المقاومة والممانعة” ومعاداة إسرائيل وأمريكا، وبإشعار أصحاب الحقوق المغتصبة من العرب والمسلمين بالدونية والانهزام تجاه المعتدين عليهم. بنى الملالي استراتيجيتهم في “المقاومة والممانعة” على التمدد بأرض مهيضي الجناح هؤلاء بوضع اليد على أربع عواصم عربية عبر التعاقد مع“زعران” وحاكمين خونة لأوطانهم وشعوبهم في تلك العواصم، ليتحول “ولي الفقيه” إلى حاكم بأمره في تلك البلدان.
كانت بداية عبث ملالي إيران في العراق؛ وتوجوه بتقديم أوراق اعتمادهم لما سمّوه علناً “الشيطان الأكبر” أمريكا، وباطنياً باستخدام بعض شيعة العراق، ليكونوا منفذي المشروع الأمريكي فيها؛ ولتخذلهم أمريكا موهمةً إياهم بأنهم مَن يتحكّم بمصير العراق. يتلذذ الملالي بحطام العراق، وأمريكا فعلياً تتحكم بمصيره. وفي اليمن يفعلون الأمر ذاته- وعلى خطوط وأسس طائفية- حرّك الملالي الحوثيين، ليتحول اليمن إلى حالة كسيحة لا تقوم له قائمة بزمن؛ ولتشغل دول الخليج المحيطة بمأساة عبثية تستنزف الجميع.
ترافق عبث الملالي بالعراق بالتمدد إلى الشام في ثمانينيات القرن الماضي مستندين إلى مزايدات حاكم دمشق المأزوم داخلياً والمطعون بشرعيته والمتلظي بـ “الصمود والتصدي” كي يبقى في السلطة؛ فكان تمدد إيران إلى لبنان بارتكازات طائفية وإنشاء “حزب الله” ليلغي أي مقاومة وطنية فلسطينية حقيقية تجاه إسرائيل. كان ذلك عام اثنين وثمانين، عندما تمكن الأسد الأب وبالاشتراك مع الملالي وحزبهم الرباني من تعهيد حماية “حدود إسرائيل” الشمالية إلى الحزب الناشئ بإزاحة /سعد حداد/ و/أنطون لحد/. ذلك الحزب لم يحرر الجنوب اللبناني، بل إن اسرائيل خرجت بعد أن ضمنت بأنه سيحمي حدودها ويريحها؛ وهذا الذي كان منذ عام 2006 للآن. وبالطبع كان هناك مسرحيات دموية ضرورية لإعطاء الحزب مصداقية صفة “المقاومة” دمرت خلالها إسرائيل وقتلت ما تشتهي من لبنان؛ ليتحول حزب حسن نصر الله المدعوم إيرانياً وأسدياً إلى “مقاومة” في وجه إسرائيل التي لم يقاومها قط بعد سلسلة من التطويع الدموي. وكما احتل الأسد الإرادة السورية احتل “حزب الله” الإرادة اللبنانية، وكأن إسرائيل تحتلهما مع الاحتفاظ بالبلاغة والمزايدات الإيرانية الأسدية الحزبلاتية بـ “المقاومة والممانعة“.
لا إسرائيل ولا أمريكا غافلة عن طموحات ملالي إيران؛ ولا عن مصلحتها بإضعاف محيطها العربي؛ وما قدّمت أمريكا عراق صدام حسين لتستبيحه دون أن يكون / الكومسيون / أضعاف قيمة الغنيمة؛ ولا هي كانت لتسمح لحزب الله- أداة إيران- بأن يعبث بسورية؛ ولا كانت لتسمح لإيران بدخولها العسكري إلى سورية وحتى إلى الاقتراب من الحدود مع ربيبتها إسرائيل؛ لو لم يكن وراء الأكمة ما وراءها. الأمر ذاته بالنسبة لليمن؛ ومعروف أن لبنان كان منذ عقدين ويزيد على رأس القائمة الاستباحية الإيرانية.
إيران وتحت أنظار أمريكا تتمدد من المحيط الهادي جنوبا إلى حدود تركيا الجنوبية؛ ومن المتوسط غربا حتى الباكستان شرقاً؛ فما هذا العمى الأمريكي؛ وهل أمريكا مغفّلة إلى هذه الدرجة لتترك لإيران الحبل على الغارب لتهدد أعز ما لديها من مصالح، هي الأهم في العالم؟! إن كانت لا ترى؛ ألا تسمع التصريحات الصاخبة لمسؤولين إيرانيين كبار حول تمدد إمبراطورية فارس؟!
إذا كان الاستعمار الاستيطاني الصهيوني، وبدعم أمريكي وعالمي يحرجه أن شعار (أرض إسرائيل من الفرات إلى النيل) الذي لا يزال مرسوما على باب “الكنيست” الإسرائيلي؛ فكيف يستقيم الأمر أن تتجاوز إيران هذا الشعار بأضعاف، وهي كما تدعي عدوة لأمريكا لا ربيبة لها كإسرائيل؟! وهل مرعب مشروع إيران النووي إلى هذه الدرجة كي تبادله أمريكا بإطلاق يد إيران لتتحول إلى إمبراطورية؛ في عصر أصبح مجرى تنفس أي دولة مهما كبرت (بما في ذلك روسيا) بيد أمريكا؟!!
ما السر يا ترى؟ هل هناك فتح لسياسات التمدد الجغرافي الاستعماري الذي يمهد الطريق أمام إسرائيل بتمدد جديد أسوة بمن يتمدد؟! هل الأمر لإظهار كم كانت إسرائيل ”رحومة” بتمددها وممارساتها في الأرض العربية مقارنة مع الامبراطورية الفارسية الجديدة؟!
هل لم يعد صالحا أو مناسباً ذاك الشرطي الإسرائيلي لخدمة مصالح أمريكا في المنطقة، ولا بد من تبديل الحرس الذي قد يكون مقبولاً أكثر من الإسرائيلي على خطوط وأسس دينية وثقافية مشتركة؟!
كل ما ذكر ممكن؛ ولكن له الصفة والطبيعة التكتيكية من قبل أمريكا؛ أما الأمر ذو الطبيعة الاستراتيجية فهو دفع ملالي إمبراطورية فارس الفاشلة تاريخيا إلى مغامرات مغرية قابلة للتصديق. إنها “استراتيجية ترقيق الجبهات واستنزاف القوة”
إنها حالة الضفدع الإيراني المحاصر المحروم الجائع الذي وجد نفسه في بركة ماء راكدة وإشنيات على سطحها؛ وتصور نفسه أنه يستطيع شرب البركة بكاملها. أمريكا بانتظار التمدد هذا ولحظة انتزاع ذلك المشروع الذي تريد إيران أن تستكمله بامتلاك السلاح الذري؛ ليكون سحبه وسحق تلك الجبهات الممتدة والمترققة في آن معاً.
إننا امام الضفدع الفارسي الحاقد، والنمر الإسرائيلي الخسيس، والحوت الأمريكي المتوحش. قد تكون اقتربت نهاية إمبراطورية الكذب. كثرة الرؤوس ممنوعة في منطقتنا. الرأس الأكبر يلعب بكل الرؤوس الصغرى والأخطر، والتي لا تقل إجراما. ربما خلاص المنطقة بصدامهم الفعلي؛ وهذا لم يحدث بعد، ولكنه قد يكون أقرب مما نتصور. ها هم ملالي إيران يستشعرون الخطر الحقيقي؛ ويتجلى ذلك بنكرانهم استفزاز إسرائيل بصواريخ أُطلقَت من الأرض السورية، ورمي تلك الفعلة بعنق ذلك “المشحّر” الذي يحمون في دمشق متخلين عن كل “مقاومة أو ممانعة”، ومترجين بعض الدول التدخل للحؤول دون ضربة أمريكية إسرائيلية تنهي تلك الامبراطورية الكذبة.
المصدر: تلفزيون سورية