سورية من ملاذ للاجئين عبر الدهور، إلى شعب يبحث عن ملاذ له.
لربما تساءل البعض عن سر تلك الفسيفساء الثقافية والعرقية في سورية، دون أن يبذل جهداً حقيقياً في معرفة السبب لها، أو اكتفى بظاهر التفسير التاريخي كونها المؤسس الأم للحضارات الإنسانية من جهة وملتقى الغازين الطامعين من جهة أخرى.
إلا أن هناك حقيقة أخرى مغمضة عنها العين، وهي أن سورية عبر تاريخها الطويل كانت الأرض الرحبة والصدر الدافئ لكل هارب من عسف وجبروت، ومن ضيق الدنيا وضنك العيش، كانت ملاذاً للأحرار، وقبلة الباحثين عن فسحة للعقل والفكر لا قامع لهم.
لم يبنِ السوريون للمستغيثين خياماً، ولا بيوتاً قصديرية، ولم يشيروا إليهم ببنان الأصابع، لقد فتحوا لهم ديارهم وقبلها صدورهم، قاسموهم مؤنة الدار، ولم ينتظروا بفارغ الصبر معونات مؤتمرات دولية ليقتطعوا من لقمة الإغاثة ستين بالمئة!.
وعندما يتبارى العالم في التباهي عن سياسة التوطين للاجئين، فلقد كان السوريون أول من وطّن مستغيثيهم، فلم نسمع أن الأرمن عادوا إلى ديارهم، ولا اليونانيين، ولا الشركس، ولا الجزائريين، والقائمة تمتد بامتداد الجغرافيا والأعراق.
ولم نسمع أن العراقيين تم تنظيم أحوالهم في إطار إعادتهم إلى العراق، ولا اللبنانيين قبلهم.
ولم نسمع أن خياماً للبنانيين قد ضربت أوتادها في الأرض، فضاقت عليها الأرض والصدور.
لكن علمنا أن دياراً فتحت، وكلمة أشقاء منحت حتى لمن كانوا أغراب الثقافة والهوى.
نعلم أن مأساة السوريين أكبر من أن يسعها قلب العالم الصغير، ولكن شيئاً من الوفاء للمعروف لربما يسعف شهامة العرب الذابلة.
وكخاتمة، لا أريد لهذا المقال أن يبدو كسردية “عقوقة”، فمن لا يشكر الناس لايشكر الله، ولقد كان لبعض من جيران سورية شعوباً وأفراداً، حصة من هذا الفضل، بل كان لبعض من شعوب العالم البعيد مآثر في معاملة السوريين، فاستضافت تركيا الجارة ملايين السوريين، وفتح شعبها دياره لهم، دون تذمر أو تململ، واستنفر العديد من أصحاب الضمائر في لبنان والأردن ومصر والعراق وغيرهم، ليقفوا حائلاً ما استطاعوا دون هجمات الرفض الممنهج والمسيس، لسوريين ليس لهم من بعد الله سوى أخوة الوفاء.
أمل الشيخو
رئيس دائرة شؤون اللاجئين السوريين