الإخفاء القسري جريمة الأسد المستمرة

الإخفاء القسري جريمة الأسد المستمرة

رسّخ نظام الأسد لدى الشعب السوري منذ وصوله إلى حكم سوريا، مبدأ قائماً على الإرهاب والتخويف والقمع، حتى يصل حال المواطن السوري إلى الخوف ممن يقف بجواره ويشك في أن الجميع سينقل الكلام إلى الأجهزة الأمنية، ويودي به ذلك إلى مصير مجهول.

لقد اعتمد نظام الأسد الإخفاء القسري سلاح حرب رئيسياً، حرب شديدة لكنها تستهدف أبناء الشعب. والإخفاء عند النظام جزء من منهج متكامل قائم على الإرهاب والقتل والتغييب في السجون، ليصرف السوريين عن الحديث في أمور بلادهم وشؤونها الداخلية والخارجية.

مع بدء الثورة السورية عظم شأن سلاح الإخفاء لدى نظام الأسد فأصبح يستهدف كل من طالب بالحرية في المظاهرات السلمية، أو أفصح عن آراء معارضة للنظام، أو تعامل مع من يعارض النظام ولو كان في الشؤون المدنية المعيشية، في محاولة من النظام لإخماد صوت الثورة ووأدها في أولها، أو ربما يكون الإخفاء بعد توجيه تهمة عشوائية للشخص بهدف الحصول على فدية مالية في غالب الأحيان.

المرور على هذه الأرقام ليس لإعطاء المعلومة فحسب، بل للنظر والتفكير في أحوال هؤلاء الأشخاص، ومصيرهم المجهول، ومعاناتهم اليومية، وفي أحوال أهلهم وعائلاتهم

نقلت الشبكة السورية لحقوق الإنسان في إحصائية نشرتها في آذار 2022 أن لدى نظام الأسد 132.446 سورياً ما يزالون يعانون من الاعتقال التعسفي والاختفاء القسري، منهم 3658 طفلاً و8096 امرأة، هذا ما استطاعوا توثيقه ولكن الأرقام أضعاف ذلك. المرور على هذه الأرقام ليس لإعطاء المعلومة فحسب، بل للنظر والتفكير في أحوال هؤلاء الأشخاص، ومصيرهم المجهول، ومعاناتهم اليومية، وفي أحوال أهلهم وعائلاتهم، ومرارة الصبر وانقطاع الأمل.

الحديث عن تعذيب نظام الأسد للمعتقلين بات أمراً متكرراً، إذ لا يمكن أن ينجو أي شخص تعرض للاختفاء القسري من التعذيب الذي يصل في كثير من الأحيان إلى القتل والتصفية، وهذا ليس من باب المبالغة، بل حقيقة شاهدها العالم كله في صور “قيصر” التي تضمنت صور أشخاص اعتقلهم نظام الأسد وقتلهم تحت التعذيب، كما شاهدها في التسجيلات المصورة في حي التضامن بدمشق، التي تظهر إطلاق النار وإلقاء المعتقلين في حفر ثم إحراقهم، وهم مدنيون اختطفهم نظام الأسد من الحواجز الأمنية، وغير ذلك الكثير.

فظاعة الإجرام التي يتعرض لها المختفون جعلت بعض أسماء السجون لدى نظام الأسد يحظى بشهرة واسعة في التعذيب، إذ وصفت منظمة العفو الدولية سجن صيدنايا لدى نظام الأسد بأنه مسلخ بشري، قائلة:  “هو المكان الذي تقوم الدولة السورية فيه بذبح شعبها بهدوء، ويشكل المدنيون، الذين تجرؤوا على مجرد التفكير بمعارضة الحكومة، الغالبية الساحقة من الضحايا، وجرى منذ عام 2011 إعدام آلاف الأشخاص خارج نطاق القضاء في عمليات شنق جماعية تُنفذ تحت جنح الظلام، وتُحاط بغلاف من السرية المطلقة”.

وتضيف: “ولا يمكن لأحد أن يزعم أن مثل هذه الممارسات المنهجية والواسعة النطاق تُرتكب بدون تفويض من الحكومة السورية على أعلى مستوياتها”.

إذا علم البعيد حجم ما يتعرّض له المعتقلون والمختفون قسراً، وهذا هو أحد الأسباب الرئيسية التي جعلت النازحين السوريين يفضّلون شقاء الخيام وقسوة النزوح على العودة إلى مناطق نظام الأسد. وفي مخيم الركبان جنوبي سوريا يعيش النازحون في صحراء قاحلة مع نقص في المياه ومأساة غير مسبوقة، يحاصرهم نظام الأسد ويعيشون بلا غذاء ولا رعاية صحية ولا خدمية، ومع ذلك لم يفكروا في العودة إلى مناطق نظام الأسد. لماذا؟ لأنهم يعلمون أنهم سيصبحون أرقاماً تضاف إلى سجل المختفين قسراً، يلاقون مصيراً أقسى من الموت.

نعود بالذاكرة بضعة أشهر، إلى أواخر نيسان من السنة الحالية بعد عفو الأسد المزعوم عن معتقلين سوريين، جموع غفيرة من أهالي المعتقلين. وجوههم تحكي قصصهم تجمعت تحت أحد جسور دمشق بانتظار عثورهم على أبنائهم المعتقلين. نساء ينتظرن شيئاً مجهولاً، يبحثون عن أدنى معلومة عن أولادهن المختفين، حاملين صورهم تائهين في ساحة مليئة بعذاب الأمهات. تقول إحداهن للأخرى: ولدي مغيّب منذ 8 سنوات، فتجيب الأخرى: بعد ابني بسنتين!

على الرغم من أن مجلس الأمن الدولي أقر القرار 2254 الذي ينص في أحد بنوده على إخراج المعتقلين إلا أن شيئاً لم يحدث، ولم يبد المجتمع الدولي أي جدية في فرض عملية الانتقال السياسي

الجهود الحثيثة لقوى الثورة في سبيل إخراج المعتقلين أو الكشف على مصيرهم أو إرسال لجان دولية إلى السجون امتدت إلى سنوات طويلة دون جدوى، تسبب في ذلك عدم جدية المجتمع الدولي في إنقاذ الشعب السوري من وحشية نظام الأسد لا داخل السجون ولا خارجها، مع الإشارة إلى أن نظام الأسد يسعى جاهداً في إفشال أي عملية سياسية متعلقة بالملف السوري.

وعلى الرغم من أن مجلس الأمن الدولي أقر القرار 2254 الذي ينص في أحد بنوده على إخراج المعتقلين إلا أن شيئاً لم يحدث، ولم يبد المجتمع الدولي أي جدية في فرض عملية الانتقال السياسي التي ينشدها الشعب السوري منذ سنوات طويلة عبر تطبيق القرار المذكور.

الأمل الموجود لدى أبناء الشعب السوري الصابر أكبر من أن يهزمه سوط الجلاد، ومنه تستمد قوى الثورة السياسية طاقتها وعزيمتها، وثباتها على مبادئ الثورة السورية رغم الصعوبات والتحديات والضغوطات التي تتعرض لها.

لقد شكلت عزيمة أهلنا وحرصهم على ثورتهم دستوراً لنا يثبتنا على طريق نضالهم، طريق الحرية والكرامة والعدالة. هذا الطريق الذي لا يمكن الحياد عنه؛ لا بدّ سيتكلل بالنصر والخلاص من نظام الأسد.

مشاركة
غرد
إرسال
بريد

أحدث المقالات

مقالات أخرى للكاتب سالم المسلط
مقالات أخرى من تلفزيون سوريا

البيانات الصحفية

أخر الأخبار

Welcome Back!

Login to your account below

Retrieve your password

Please enter your username or email address to reset your password.

Add New Playlist