الرقة نحو إدارة جديدة

كانت محافظة الرقة قبل الثورة كما كانت بقية محافظات سورية مغتصبة من قبل عصابة جاثمة على صدرها منذ عقود تُسلب خيراتها دون أن يستفيد منها سكانها؛ متروكة للتهميش والعزلة والتجهيل وعبث الفاسدين؛ مما اضطر عدداً كبيراً من شبابها إلى قضاء عمرهم خارج سورية في كل من لبنان والأردن والخليج كعمال لتأمين لقمة العيش.

وكان أكثر ما يحز في النفس أن العائلات الرقاوية كانت تذهب إلى لبنان من أجل العمل في الزراعة وهم من محافظة زراعية أصلاً وفيها كل مقومات نجاح الزراعة من مياه وأراضٍ خصبة لكن وبسبب النظام الفاسد وما أفرزه من فاسدين تم حرمان غالبية السكان من الزراعة وتم توزيع الأراضي المستصلحة على غير أصحابها نتيحة قربهم من السلطة الفاسدة .

التحقت الرقة بركب الثورة السورية منذ بداياتها منادية بمطالب الشعب السوري في الإصلاح والحرية والكرامة.

وكما هي عادة النظام قامت الفروع الأمنية والجيش بإطلاق الرصاص الحي وقتل بعض المتظاهرين وجرت الاعتقالات التعسفية فطالت الكثير وغيّبت الكثير حتى يومنا هذا، وعندما حرر الجيش الحر الرقة كاملة وكانت أول محافظة تنتزع من يد النظام، استولت داعش الظلام عليها وعانى السكان كثيراً من تلك الحقبة السوداء.

سيطرة امتدادت تنظيم “ب ك ك” الإرهابي على الرقة مع مجيء قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة لمحاربة داعش؛ خلّفت تدمير أغلب أحياء المدينة، وإفقار أهلها ومحاربتهم في لقمة العيش، وأصبحت الرقة بيئة غير آمنة شاع فيها الاختطاف والاعتقال وقتل الرموز العشائرية والتجنيد الإجباري وتغيير المناهج الدراسية.

تعاملت “قسد” مع نظام الإجرام بصورة ودية متجاهلة دماء الشهداء وتمت عدة لقاءات مشبوهة مما جعل أهل المنطقة يستنفرون وخرجت عدة مظاهرات تنادي مجدداً بإسقاط النظام، وأصبح الوضع بائساً جداً وغادر الرقة الكثير من أهلها، ثم جاءت عملية نبع السلام لردع “قسد” وإحباط مشروعها الانفصالي بتعاون تركي مع الجيش الحر.

بدأت الولايات المتحدة تستشعر خطأ تعاونها مع تنظيم “ب ك ك” وبدأت تحث “قسد” على التقرب من المكون الغالب وهم العرب، وعقدت عدة لقاءات واستجابت لبعض المطالب خصوصاً بعد مقتل رموز عشائرية.

هناك تحركات دولية تخص منطقة شرق الفرات وقد بدأ الائتلاف الوطني السوري وبعد تشكيل لجنة الجزيرة والفرات فيه، بالتحرك باتجاه المنطقة، إدراكاً منه أن هناك متغيرات على مستوى كامل منطقة شرق الفرات ويجب مواكبتها والعمل عليها فكان لا بد للجنة الجزيرة والفرات أن تتحرك بهذا الاتجاه وأن تجمع سكان منطقة شرق الفرات وتوحد صوتهم ما أمكن، غاية هذا الجمع دراسة سبل إدارة المنطقة بعيداً عن “قسد” الانفصالية وتوضيح الرؤى وفتح الحوار بما يخص ذلك وخلق جسم واحد بصوت واحد.

صدر قرار رئاسة الائتلاف الوطني بتشكيل لجنة تحضيرية لكل محافظة في شرق الفرات، هدفها جمع عدد من نخب كل محافظة بمفردها؛ لدراسة إمكانية دعوة أكثر من مئة وخمسين شخصاً يمتاز بثوريته وبقبوله اجتماعياً وذلك في اجتماع موسع للخروج برؤية موحدة وانتخاب خمسة عشر شخصاً يتحدثون باسم المحافظة التي ينتمون إليها.

وقامت كل لجنة تحضيرية لكل محافظة بدعوة عدد مناسب لاجتماع أولي مع لجنة الجزيرة والفرات وحضور السيد رئيس الائتلاف .

نحن في محافظة الرقة سارعنا لدعوة 29 شخصاً واجتمعنا مع لجنة الحزيرة والفرات ورئاسة الائتلاف ودار النقاش حول منطقة شرق الفرات عامة والرقة خاصة؛ تمهيداً لاجتماع موسع للمحافظة ومن ثم اجتماع أوسع لكل منطقة شرق الفرات.

تقدمنا كثيراً في هذا المجال وتوافقنا على آلية العمل، والهدف ليس فقط الوصول إلى جسم إداري، بل إن هناك برنامج عمل ويجب علينا اتباعه، وأعلمنا الجميع أن الائتلاف الوطني سيعمل على إجراء لقاءات مع الدول الفاعلة في المنطقة كالولايات المتحدة وتركيا ليصار إلى شرح رؤاهم والصعوبات التي يواجهونها وطريقة حلها وسبل إدارة المنطقة بأنفسهم، وأن تنظيم “ب ك ك” ليس له قاعدة شعبية لأنه جسم غريب حلّ على المنطقة.

مدينة الرقة دمرت على مدى التاريخ أكثر من مرة وعادت من جديد، وستعود بإذن عامرة حرة أبية في وطن حر اسمه سورية.

المصدر: وكالة زيتون

مشاركة
غرد
إرسال
بريد

أحدث المقالات

مقالات أخرى للكاتب عبد الله الفرج
لم يتم العثور على أعمال اخرى للكاتب
مقالات أخرى من وكالة زيتون

البيانات الصحفية

أخر الأخبار

Welcome Back!

Login to your account below

Retrieve your password

Please enter your username or email address to reset your password.

Add New Playlist