مسرحية الانتخابات.. وماذا بعد؟

أسئلة كثيرة، وبعضها خلافي، تطرح حول الذي يجري بكل التشعبات، ومظاهر الحشد، وخلفيات ذلك، ثم الآفاق حول مصير النظام ونهاياته.

ليس مفاجئاً ما يقدم عليه النظام المجرم من تدوير نفسه وكأنّ شيئاً لم يحدث في سوريا، وكأن رأس النظام لم يمارس شيئاً يستحق المحاسبة عليه، لم يدمر البلاد ويقطّع أوصالها، ولم يقتل نحو مليون سورية وسوري، ويعتقل مئات آلاف المواطنين ويصفي عشرات الآلاف منهم، ويستخدم كافة الأسلحة الفتاكة من الكيماوي بأنواعه المختلفة، والبراميل (اختراعه)، وعديد الأسلحة المتنوعة، ويحوّل الجيش إلى ميليشيا خاصة، ولم يستقدم الاحتلالات الأجنبية، من الاحتلال الإيراني بكل أذرعه المليشياوية الطائفية، إلى إطلاق العنان للمشروع الإيراني القومي، الطائفي وتمكينه من اختراع النخاع الشوكي للمجتمع السوري عبر عمليات التشييع المبرمجة، وعمليات التغيير المذهبي، ومحاولات شرخ المجتمع على أسس مذهبية محقونة بخزين الأحقاد وعيرها.

إلى الاحتلال الروسي الذي مارس شتى أنواع الحرب الإجرامية ضد فصائل المعارضة المسلحة، والبنى التحتية، والحاضنة الشعبية وفرض ما يعرف بـ”مناطق خفض التصعيد” ثم قضمها بإعادتها للنظام، وفرض أشكال المصالحات مقابل منحه اتفاقات مخلة بالسيادة تتناول الثروات الحيوية، والموانئ، وإنشاء القواعد العسكرية، والإمساك بالقرار السياسي الخاص بالنظام.

ترافق ذلك بفتح جميع الأبواب لشتى أنواع التدخلات الأجنبية، وتقطيع أوصال الجغرافيا السورية بفرض سلطات الأمر الواقع في مناطق شرق الفرات، وإدلب، إضافة إلى وجود جيوب نشيطة لداعش واستخدامها من قبل أطراف عديدة، بما فيها النظام وإيران، في صراع أصحاب المشاريع والمصالح.

وبالتالي فإصرار طغمة النظام على تدويره بهذه الطريقة التي تدوس على حقوق وتضحيات الشعب السوري في الحرية، وفي نظام تعددي يقرره الشعب، وعلى مجمل القرارات الدولية الخاصة بالحل السياسي الذي عطّله النظام بتأييد من روسيا، إن ذلك يعتبر منسجماً مع تركيبة النظام المافيوزي، خاصة وأن غياب موقف دولي حاسم يفرض على النظام الانصياع لقرارات الشرعية، أو في ردعه عن إجراء انتخابات مسرحية اخترقت في الصميم، وداست على عمل اللجنة الدستورية وجوهر إنشائها في صياغة دستور للبلاد يكون أرضية لإقامة انتخابات تشريعية ورئاسية.

المهزلة ستتواصل، والنتائج معروفة سلفاً حتى بوجود أرانب من العيار الصغير، لكن هناك مجموعة أسئلة يطرحها كثيرون حول الذي يجري من حشد متعدد الأشكال، ومدى حقيقته، وخلفيات مواقف عديد فئات الشعب السوري.

بمعنى واضح:

هل مشاركة عدد من الشيوخ والفعاليات في الداخل السوري ناجمة عن قناعة هؤلاء، وبالتالي مصاقية تصريحاتهم وخطاباتهم؟؟.. أم هي تجسيد لحالة الإذعان والفرض؟، والخوف من بطش الأجهزة الأمنية وتهديداتها ؟.. أو وضع الناس تحت أمر واقع بفرض قوائم ولوائح باسم بعض العائلات والشخصيات المعروفة بمواقفها الوطنية وانتمائها للثورة ورفعها في الأماكن العامة وكأن أصحابها موافقون على ما جاء فيها ؟؟.

أم حالة انسداد الأفق على حل سياسي في المدى المنظور، وشيوع حالة من الإحباط واليأس، وفقدان الأمل ؟؟.. حيث من المعروف، والثورة السورية تعبر عامها العاشر، أن أغلبية الشعب السوري تدرك أن “المجتمع الدولي” خذله ولم يقم بالمطلوب منه، وعلى العكس من ذلك كان عاملاً حاسماً في منع الانتصار وإنهاء النظام، وهناك من يعمل على تحميل المعارضة المسؤولية، أو الجزء الأكبر منها.

الحقيقة الأسطع أن هذا النظام ساقط حكماً ليس بالمعنى التاريخي وحسب، وإنما وفق جميع المعطيات الواقعية حيث أن أفعال النظام لن تُغسل بأية وسائل، ولن يسقطها الزمن حيث أن جرائم الإبادة لا تمحى بالتقادم.

والحقيقة الثانية، وبغض النظر عن بعض المظاهر السطحية، أو الاستعراضية، تؤكد أن أغلبية الشعب السوري ترفض بقاء هذا النظام بكل أركانه ورموزه ولو ليوم واحد، وأن التمسّك بالحق الطبيعي في نظام ديمقراطي، وفي انتزاع الحرية كبقية شعوب العالم لا يقبل التنازل، ويستحق مزيد التضحيات، والتحمل، وهو ما يجب أن يكون محور برامج العمل للمرحلة القادمة.

في الوقت نفسه فالشعب السوري في المناطق المحررة، ومناطق الهجرة واللجوء، والجاليات المنتشرة في مختلف بلدان العالم عبّرت وبأشكال مختلفة عن رفضها لعملية التدوير المسخ التي تعتبرها مسرحية قذرة، كما أن حراكاً متعدد الأشكال، بما في ذلك التظاهر والوقفات المتواصلة، وأشكال من المقاومة يجري في الداخل السوري الخاضع للنظام، والملفت فيه ذلك الرفض البارز في منطقة الساحل السوري، والكتابات الرفضية الواضحة على وسائل التواصل الاجتماعي.

المعطيات المتوفرة تفيد أن معركة الشعب السوري طويلة، ما لم تحدث مفاجآت غير منظورة حتى الآن، وبما يعني أن نعدّ أنفسنا لها عبر برنامج عمل واقعي لحمته وسداه الاستناد إلى قوى شعبنا بكل أطيافه وفعالياته في المناطق المحررة عبر وجود الائتلاف ـ بشكل رئيس ـ في الداخل، وتدعيم عمل الحكومة السورية المؤقتة، وتفعيل مختلف المؤسسات التابعة للائتلاف، وبالأصل من ذلك تكريس الحوكمة الرشيدة لتقديم أنموذج يعبّر عن روح الثورة وأهدافها، وبما يشكل منطقة جاذبة لبقية شعبنا الواقع تحت سلطات الأمر الواقع.

شبكة العلاقات يجب ألا تقتصر على المناطق المحررة وحسب، بل في جميع المناطق التي يتواجد فيها، خاصة تلك الخاضعة للنظام، أو قوات قسد، أو هيئة تحرير الشام، ووضع مضمون تجديد الخطاب الوطني موضع التطبيق، والذي يعني أن مسؤولية الائتلاف، وقوى الثورة والمعارضة تعني جميع قطاعات الشعب بما فيها ما يعرف بـ”الكتلة الرمادية” أو حتى المحسوبة على النظام وغيره من سلطات الأمر الواقع باستثناء من تلوثت أيديهم بالدم السوري، وتكريس المصالحة والسلم الأهلي بعيداً عن الانتقام، والثأر.

وفي المحور الثاني الذي يتمثل في تعميق وتوثيق العلاقات مع الدول الشقيقة والصديقة باتجاه تطوير مواقفها بما يعزز فرض الحل السياسي الذي يحمل معه الانتقال إلى نظام تعددي ديمقراطي، ومساندة الشعب السوري للنهوض بمسؤولياته وصولاً إلى تحقيق الأهداف التي يؤمن بها.

المصدر: وكالة زيتون

مشاركة
غرد
إرسال
بريد

أحدث المقالات

مقالات أخرى للكاتب عقاب يحيى
مقالات أخرى من وكالة زيتون

البيانات الصحفية

أخر الأخبار

Welcome Back!

Login to your account below

Retrieve your password

Please enter your username or email address to reset your password.

Add New Playlist