في ذكرى الثورة… أولويات يجب العمل عليها
د. نذير حكيم
مع دخول الثورة السورية عامها التاسع، واستمرار الصراع في سبيل استعادة حرية الشعب السوري وإنهاء نظام الاستبداد، لا بد لنا من توضيح جانب من أولوياتنا التي نسعى للتركيز عليها والعمل على نجاحها خلال الفترة المقبلة بما يخدم الشعب السوري ويساهم في تحقيق أهدافه، خاصة وأن الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية هو الجسم السياسي الممثل للشعب السوري، والحامل لتطلعات ثورته وأهدافها، ويعمل من خلال أذرعه التنفيذية على تحسين الواقع المعيشي للشعب السوري في الداخل.
يمكن القول إن الحفاظ على الحكومة السورية المؤقتة، وضمان استمرارها في أعمالها وحصولها على الدعم الكافي واللازم لتقديم الخدمات المطلوبة منها يمثل أحد أهم أولوياتنا خلال الفترة القادمة، فالحكومة السورية المؤقتة هي الذراع التنفيذي المخصص لخدمة جميع المواطنين في جميع المناطق التي يمكنها الوصول إليها، وما تزال تبذل كل الجهود الممكنة، رغم ضعف الإمكانات، المتوفرة لها.
مضت قرابة ست سنوات على انطلاق مشروع الحكومة المؤقتة، وواجه المشروع مصاعب جمة حتى أبصرت الحكومة المؤقتة الأولى النور لتجد نفسها أمام واقع صعب يكاد يكون بلا نظير، حيث يتم استهدافها من كل جانب، فيما تتحمل مسؤوليات هائلة دون وجود أي دعم يرقى إلى أي مستوى معقول.
كان يمكن للعمل تحت هذه المستويات من الضغط وشح الموارد؛ أن يحول مشروع الحكومة المؤقتة إلى ضرب من المستحيل، لكن الاحتياجات على الأرض وضرورة مواجهة التحديات الجارية والمتجددة يومياً والحس العالي بالمسؤولية عند الحكومات المتعاقبة حال دون ذلك، كما كان للجهود الجبارة التي بذلها جنود مجهولون على مختلف مستويات العمل الحكومي والمدني دور محوري في استمرار هذا المشروع.
تمر الحكومة حالياً بمرحلة تسيير أعمال، تتعلق بانتخاب رئيس جديد وإعادة تشكيل الحقائب الوزارية بعد تصويت الهيئة العامة للائتلاف على قبول استقالة الدكتور جواد أبو حطب الذي تولى رئاسة الحكومة منتصف عام 2016، واعتبار حكومته حكومة تسيير أعمال إلى حين انتخاب رئيس حكومة جديد للتعامل مع التطورات الميدانية إضافة إلى الاستعداد للتغيرات المرتقبة في محافظتي ريف إدلب وحماة، لتصبح تحت إدارة الحكومة.
هناك واجبات كثيرة تنتظر الحكومة وتتعلق بتعزيز دور الإدارات المدنية وتفعيل المجالس المحلية وزيادة مستوى التنسيق بينها، لكن ذلك يعتمد على توفر دعم حقيقي ومستمر للحكومة، لذلك فإننا نركز اهتمامنا على دفع الدول في دعم الحكومة ليتثنى لها تقديم الخدمات المطلوبة منها.
في جانب آخر، فإن لقاءاتنا مستمرة مع قادة فصائل الجيش السوري الحر وهي في مجملها لقاءات مثمرة وإيجابية، ونحن مصرون أكثر من أي وقت مضى على العمل بجدية من أجل توحيد جميع الفصائل العسكرية في جيش وطني سوري، وعدم القبول بتخلف أي فصيل عن هذا المسار، خاصة وأن تغيير الأوضاع في إدلب وحماة، وسد الفراغ الناجم عن الانسحاب المرتقب للقوات الأمريكية، والاستعداد لأي عمليات عسكرية أخرى ضد التنظيمات والميليشيات الإرهابية ومواجهة الهجمات والاعتداءات المستمرة من قبل قوات النظام والميليشيات الإيرانية والقوات الروسية… كل ذلك مرتبط بالخطوات التي نقطعها في هذا المشروع.
يوجد قبول من قيادة الجبهة الوطنية للتحرير والجيش الوطني الحر لهذه الخطوة، وسنعمل على تحويل هذه المواقف إلى أفعال حقيقية لها نتائج ملموسة. والبحث في كافة العوائق والأسباب التي تعرقل هذا الأمر وحلها أو تجاوزها من أجل توحيد الصف ودمج الجهود لتحقيق أهداف ثورة الشعب السوري وصولاً إلى تأسيس جيش سوريا المستقبل.
أولوياتنا تطال أيضاً هيئة التفاوض السورية، باعتبارها الهيئة المكلفة بإدارة الملف التفاوضي بما يتوافق مع أهداف الثورة وثوابتها، وحسب الخطوط العامة التي رسمها الائتلاف وبما ينسجم مع مقتضيات الحل السياسي الذي حددته القرارات الدولية.
هيئة التفاوض واعية تماماً لمحاولات النظام الرامية إلى القضاء على العملية السياسية أو تمييعها، الأعضاء يدركون أن هناك خططاً ترمي إلى عرقلة العملية التفاوضية وتحويل كل جزئية من جزئياتها إلى عصا توضع في العجلات.
خلال الدورة الأخيرة لاجتماعات الهيئة العامة للائتلاف قدم رئيس هيئة التفاوض الدكتور نصر الحريري ملخصاً عن آخر التحركات والاتصالات التي قامت بها الهيئة بخصوص الإفراج عن المعتقلين، وأيضاً بما يتعلق باللجنة الدستورية والبيئة الآمنة واستعرض نتائج لقاءاته مع الأطراف الدولية بهذه القضايا.
الائتلاف يضع الحل السياسي ضمن أولوياته، ويدعم هيئة التفاوض والمسار السياسي، ويشدد في كل لقاءاته على مركزية مسار جنيف، مؤكداً أهمية التعامل بإيجابية مع المبعوث الأممي بيدرسون ودعم جهوده بكل الوسائل الممكنة ومطالبة المجتمع الدولي بتوفير الظروف والضغوطات الضرورية لإلزام النظام بتحمل مسؤولياته تجاه الحل السياسي، والقدوم إلى طاولة التفاوض بجدية ومسؤولية.
يذكر الائتلاف بمسؤولية مجلس الأمن والمجتمع الدولي تجاه تنفيذ القرارات الدولية وتوفير الضغوط اللازمة وضمان البيئة المناسبة لنجاح الحل السياسي، والتحرك لمواجهة حلفاء النظام وداعميه وخاصة نظام الملالي نظراً لدوره المحوري في تعطيل وعرقلة أي جهود تسعى لحل الصراع في سوريا، وقيامه بإدارة مشاريع التغيير الديمغرافي من خلال القتل والتهجير والمقامرة بمصير المنطقة والعالم، فيما يعاني الشعب الإيراني من الفقر والتهميش وفساد حكومته منذ عقود وتحت نير إرهاب الدولة المفروض بالحديد والنار.
لا يسعى النظام الإيراني ونظام الأسد للبحث عن أي حل في المنطقة لأن بقاءهم رهن باستمرار الأزمات وإشعال الحروب، فيما ساهم الدور الروسي في توفير الحماية والغطاء للنظام ومنع صدور قرارات ملزمة ضده.
يمكن للمجتمع الدولي استثمار جهوده بالتنسيق مع الجهود التركية والعمل بشكل متواز للتأثير على الطرف الروسي، واستغلال الموقع التركي في الساحة الإقليمية وخاصة بما يتعلق بمباحثات آستانا وسوتشي.
لقد ساهم الموقف التركي الملتزم بمبادئ الحرية والعدالة والحقوق الأساسية للشعوب في صمود الشعب السوري ودعم ثورته، نحن نقدر التنسيق والمساندة والدعم الذي توفره تركيا للشعب السوري والائتلاف.
تدخل ثورتنا عامها التاسع، لن يكون أمامنا سوى مزيد من العرق والجهد، مزيد من الالتزام بالمبادئ ومزيد من التوق للحرية، التوق الذي جدد أبناء درعا خلال الأيام الماضية التعبير عنه، في تحدٍ شجاع للأجهزة الأمنية التابعة للنظام وآلته المتوحشة، متحدين سلطته الأمنية، ومؤكدين أن لا شيء سيمنع السوريين من استعادة حقوقهم في الحرية والكرامة والعدالة.
المصدر: القدس العربي
