أحدثت صورة الطفلة الفيتنامية كيم فوغ والتي التقطت لها أثناء هربها عارية من قصف النابالم على قريتها ردة فعل قوية في العالم وأصبحت صورة خالدة في ذاكرة الحروب، لكن لم تشفع الألاف من صور ضحايا الأطفال في سورية وفي مقدمتهم الطفل حمزة الخطيب لوقف العنف ضدهم حتى الآن، حيث ارتكبت قوات الأسد فيهم أبشع الجرائم وأفظعها، ومع استمرار تخاذل المجتمع الدولي والعربي في لجم همجية ميلشيات الأسد عن ارتكاب المزيد؛ بلغ الاستخفاف بالآدمية حداً أصبح فيه سعر علبة السجائر لدى تلك القوات هي قتل جنين في رحم أمه! حيث ذكرت صحفية “تايمز” البريطانية: أن “قناصة الأسد يصوبون بنادقهم على الأجنة في أرحام الحوامل للفوز برهان علب سجائر” نقلاً عن الطبيب الجراح البريطاني ديفيد نوت الذي أمضى خمسة أسابيع متطوعاً في سورية.
ونقلت الصحيفة عن الطبيب البريطاني – الذي يعمل بمستشفى تشيلسي “آند ويست منستر” – إثر عودته إلى المملكة المتحدة قوله “إن قناصة الأسد يستهدفون بطون النساء الحوامل”، مضيفاً “إنه عاين ثماني نساء حوامل بإصابات مروعة وبطون اخترقها رصاص القناصة، ومن ضمنها رصاصة استقرت في دماغ جنين”، وأكدت الصحيفة أن الأطباء لاحظوا استهداف البطن في يوم، واستهداف الصدر في يوم آخر واستهداف الرقبة دون غيرها في يوم ثالث، وأنهم ما إن يستقبلوا حالة الإصابة الأولى حتى يتوقعوا كل حالات الإصابة لذلك اليوم.
أكثر من 11 ألف طفل قتلوا في سورية بينهم 530 أعدموا ميدانياً
بلغ عدد الضحايا في سورية من الأطفال 11420 وذلك حسب تقرير “مركز أوكسفورد ريسرتش غروب البريطاني للأبحاث” الذي صدر عنه يوم الأحد المصادف 24 تشرين الثاني، من بينهم 128 بأسلحة كيميائية و389 برصاص قناصة، وهم من الأطفال الذين لا تزيد أعمارهم عن 17 سنة قتلوا منذ اندلاع النزاع في آذار 2011 ونهاية آب 2013 من بين نحو 114 ألف قتيل من مدنيين ومقاتلين تم إحصاؤهم.
وحسب تقرير أعده المكتب الإعلامي للائتلاف الوطني السوري عن المجاز التي قامت بها قوات الأسد وميليشيات حزب الله والشبيحة فإن أكثر من 200 طفل معظمعم بين سن الـ2 و13 قضوا ذبحاً في مجازر جماعية خلال أقل من 20 شهراً بما معدله طفلين كل ثلاثة أيام.
وكانت الشبكة السورية لحقوق الإنسان قد ذكرت أن هناك أكثر من 530 حالة إعدام ميداني إما ذبحاً بالسكاكين كما حصل في مجزرة الحولة ومجزرة حي كرم الزيتون وحي الرفاعي في حمص وأخيراً في حي رأس النبع وقرية البيضا في منطقة بانياس، أو رمياً بالرصاص كما حصل في العديد من القرى والبلدات في عموم المحافظات السورية.
وهذا واحد من المؤشرات التي تدل على حجم الأهوال في سوريا والمخاطر الكبيرة على حياة الأطفال إذا ما أخذ بعين الاعتبار أيضاً أن قوات الأسد تستهدف المدنيين والأطفال من بينهم بكل أنواع الأسلحة دون تتميز كصواريخ سكود والقصف الممنهج واليومي بشكل متعمد ومقصود والبراميل المتفجرة التي تحتوي مادة TNT التي تلقى من الطائرات فوق رؤوس الأهالي، ويبقى سلاح الجوع هو واحد من أخطر تلك الأسلحة حيث يموت فيه الأطفال غالباً.
10 آلاف طفل في السجون
وتشير تقديرات الشبكة السورية لحقوق الإنسان إلى وجود ما يزيد عن 9000 طفل تقل أعمارهم عن 18 عام داخل أفرع المخابرات وضمن السجون من أصل 194000 معتقل، وتمت معاملتهم بأساليب تعذيب عنيفة جداً ولا تكاد تختلف عن الأساليب التي يعامل بها الرجال كما أنها لا تفصل بينهم في أقبية الاعتقال، وقد اعتقلوا خلال عمليات الاقتحام ومنهم من اعتقل بهدف الضغط على أقرباء لهم، وتحدث عدد كبير من الأطفال الناجين عن أساليب تعذيب قاسية تعرضوا لها وهي لا تختلف كثيراً عما يتعرض لها الرجال البالغين.
وأكثر أساليب التعذيب هي الضرب بالعصي وبمختلف الأدوات وقلع الأظافر وانتزاع اللحم وحرق الجلد وسكب الماء البارد على جسمه وتعريضه للبرد وحرمانه من الرعاية الصحية والصعق بالكهرباء خاصة عند الثديين والركبتين والمرفقين.
وبهذا يكون نظام الأسد قد ارتكب كل أنواع الجرائم وانتهك جميع القوانين الدولية والتي تنص على حظر التعذيب للأطفال، ومنع المعاملة القاسية معهم، وعدم الاعتداء على الكرامة الشخصية لهم، بالإضافة إلى وجوب وضع الأطفال في أماكن منفصلة عن الأماكن المخصصة للراشدين.
ويقول عبد الرحمن البالغ من العمر 17 عاماً والذي تعرض للاعتقال لمدة أربعة أشهر في سجون الأسد “كنت أمشي في أحد شورع مدينة حماة برفقة صديقي وفجأة مرت بجانبي سيارة مليئة بعناصر أمنية متجهة إلى أحد الحواجز، فأصبت بالتوتر وقمت بتغيير طريقي معاكساً اتجاه السيارة، وهذا لفت انتباه العناصر وخلال ثوان قليلة أمسكني أحد العناصر من كتفي وأمسك بصديقي أيضاً وبدء بضربنا مع العناصر الأخرى التي انتشرت حولنا واقتادونا بسيارتهم إلى الحاجز الذي كانوا يتوجهون إليه، ومن ثم تم اقتيادي إلى فرع الأمن العسكري في مدينة حماة بينما أفرجوا عن صديقي”.
ويكمل عبد الرحمن قوله: “تم اقتيادي بعدها إلى زنزانة منفردة طولها متران وعرضها متر يوجد فيها 4 معتقلين وأنا الخامس، كنا نضطر إلى إغلاق فتحة المرحاض الموجودة داخل الزنزانة لكي ننام فوقها بسبب ضيق المكان الشديد، وفي مساء اليوم الأول استدعيت إلى جلسة التحقيق الأولى، وتم تعذيبي بطريقة الدولاب وأضرب بعصا خشبية غليظة على كافة أنحاء جسمي، وجّه لي المحقق تهمة حمل السلاح وضربت لمدة ما يقرب الثلاث ساعات كي أعترف بهذه التهمة الموجهة لي، لكنني لم أعترف، حيث إني لم أحمل سلاحا أبداً”.
وأفاد الطفل ذو الـ 17 ربيعا – والذي طلب عدم ذكر اسمه كاملاً – أنه “تناوب على ضربي سجانان وكان المحقق يقوم بتوجيه الأسئلة، يدعي السجان الأول (الأشقر) والثاني (الطويل) والمحقق لقبه (أبو النار) وهو من أشرس المحققين الموجودين في الفرع، مضيفاً إنه قد تم استدعائه بعد هذه الحادثة لما يزيد عن 13 مرة للتحقيق، تم التحقيق معي فيها بجلسة واحدة فقط والمرات الأخرى كانت بهدف التسلية حيث اكتفوا بتعذيبي إما بـ “الشبح” أو الضرب المبرح أو سكب الماء على كامل جسمي، دون توجيه أي سؤال لي”.
وأوضح عبد الرحمن أنه طلب منه الاعتراف بحمل السلاح وعن أسماء الكتائب التي يتعامل معها وعن اسم قائدها، ولم يعترف بأي من تلك التهم، واكتفى بالاعتراف بمشاركته بمظاهرتين سلميتين ضد النظام، مشيراُ أنه طوال مدة الاعتقال لم يقدم له أي شكل من أشكال الرعاية الطبية على الرغم من الإصابات والأمراض الجلدية التي تكونت لديه بسبب قذارة المكان.
العنف الذي لا يتوقف
يتعرض الأطفال في سورية للعديد من أنواع العنف بشكل مباشر وشخصي وأحياناً أخرى يأخذ طابع غير مباشر وذلك من خلال تعرض الآخرين المحيطين بالطفل للمواقف الصعبة.
لا يتوقف الأمر عند القصف العشوائي اليومي لمنازل المدنيين وللاعتقالات والتعذيب والذي يعرض الأطفال للإصابة المباشرة، أما العنف غير المباشر فيتوقف تأثيره على المواقف العنيفة بالنسبة للطفل ونوع الصدمة ومعناها بالنسبة له، فمثلاً يمثل الوالدان بالنسبة للطفل الأمان والأمن والمحبة، ويشعر الطفل بذلك في ظل وجودهما، ولكن تعرض الأب للضرب على أيدي قوات الأسد وذلك حين اقتحام المنزل ليلاً يُفقد الطفل الأمن ويزرع المخاوف والتوتر داخله، وتزداد الأمور سوءاً إذا تعرض الأب للسجن حيث تظل الحاجة للأمان من الحاجات غير المشبعة وغير الموجودة طالما أن مصدر العطاء لها لا زال بعيداً عن الطفل.
خالد السالي البالغ من العمر 26 عاماً أحد أبناء قرية أورم الكبرى التابعة لريف حلب والذي كان شاهدا ًعلى قصف طيران الميغ لمعهد تعليم إعدادي وثانوي تسببت بحروق جسيمة بحق 16 طفلاً، ويقول: “إنه تم سماع صوت الطيارات تحوم بسماء المدينة ومن ثم تم سماع عدة انفجارات تبين فيما بعد أنها ناتجة عن قصف أحد معاهد التعليم في القرية واسمه “اقرأ” وكان المعهد وقتها يعجّ بعشرات الطلاب، جميع الإصابات كانت من الحروق الجسيمة والتي تبين فيما بعد أن سببها النابالم الحارق.
والمعروف أن النابالم الحارق هو واحد من أخطر أنواع الأسلحة الحارقة وأكثرها انتشاراً واستخداماً، ويتصف باللزوجة غير الثابتة، وتدخل مادة الكيروسين في تركيبته، والنابالم مادة تلتصق بالأجساد والأجسام الصلبة مهما كانت ملساء أو ناعمة وهو يؤدي إلى حدوث حروق وتشوهات قاسية ترافق المصاب الذي ينجو من الموت، ويمكن استخدام النابالم بواسطة العديد من الأسلحة منها قنابل المدفعية والهاون والصواريخ التكتيكية وقنابل وقذائف الطائرات.
اغتصاب القاصرات
شهدت مناطق كثيرة في سورية العديد من عمليات الاغتصاب لفتيات قاصرات دون سن الثامنة عشر، ولا يوجد إحصائية دقيقة لعدد هؤلاء الفتيات وذلك لأن أصحاب هذه الحالات رفض أصحابها الحديث عنها وتم التكتم عليها ومنهم من أنكرها، وأكثر المناطق التي شهدت هذه الحالات كانت في حي الرفاعي وحي كرم الزيتون وحي بابا عمرو في حمص بالإضافة إلى ريف دمشق وجسر الشغور في إدلب وفي درعا وفي حماة وفي اللاذقية، وكانت هذه الاعتداءات إحدى طرق التعذيب في المراكز الرسمية وغير الرسمية.
وقالت المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش سارة ليا ويتسن: “استخدمت قوات النظام العنف الجنسي لإذلال والحط من شأن المحتجزين مع إفلات تام من العقاب، ولا تقتصر الاعتداءات على مقار الاحتجاز، فقد اعتدت القوات الحكومية والمليشيات الموالية للحكومة على النساء والفتيات أيضاً في أثناء الغارات على المنازل ومداهمة المناطق السكنية وبعضهن لا يتجاوزن الـ 12 ربيعاً “.
خارج المدرسة
تضرر نحو 3200 مدرسة في مختلف المحافظات السورية بسبب القصف العشوائي من قبل قوات الأسد عليها وهذا حرم ما لا يقل عن 150000 طفل من التعليم وتوقفوا عن متابعة الدراسة، وذكرت تقارير منظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونسيف” أن حوالي 40% من إجمالي أطفال سورية باتوا خارج مدارسهم.
أبو عبد الله أحد سكان حي الشعار بمدينة حلب وهو والد لثلاث أولاد تسربوا من المدراس بسبب القصف الذي طال مدارسهم بالإضافة إلى الحاجة إلى العمل لتوفير لقمة عيشهم بعد إصابة أبو عبد الله بشظية في قدمه منعته من الوقوف عليها من جديد، ويقول أبو عبد الله “لم أعد قادراً على العمل مما جعل أولادي يتحملون مسؤولية تأمين لقمة عيشنا”، مضيفاً “لدي ولدان يعملون في أحد الأفران وولدي الثالث يعمل بتصليح السيارات، كما أن أولادي ليس لديهم الرغبة في إكمال دراستهم”.
حرمان عدد كبير من الأطفال من اللقاحات وإصابتهم بالعديد من الأمراض
بسبب الحصار الذي تفرضه قوات الأسد على الكثير من المناطق التي تخضع لسيطرة ألوية وكتائب الجيش الحر حُرم الأطفال من اللقاحات الضرورية لمنع العديد من الأمراض التي تخلصت منها الدول منذ سنوات عديدة كاللقاح ضد شلل الأطفال والحمى التيفية وسعال الديك والحصبة والبكتريا.
وقالت “اليونيسف” في بيان لها، إن “نحو 500 ألف طفل داخل سورية لم يتلقوا اللقاح ضد شلل الأطفال خلال العامين الماضيين بسبب انعدام الأمن وصعوبة التنقل”، مشيرة إلى أنه “قبل الصراع كانت حملات التحصين تغطي نحو 95% من الأطفال السوريين”.
وكانت منظمة الصحة العالمية أشارت في وقت سابق إلى أن نسبة التغطية التلقيحية بسوريا انخفضت من 85 – 90% إلى نحو 65 – 70%، وأن هناك الكثير من المناطق التي يصعب على وزارة الصحة الوصول إليها بسبب الأحداث التي تشهدها البلاد.
وأعلنت منظمة الصحة العالمية مؤخراً عن رصد حالتين يشتبه بإصابتهما بشلل الأطفال، في أول تفش لذلك المرض بسوريا منذ عام 1999، وأشارت إلى أن أكثر من 100 ألف طفل أعمارهم دون الـ 5 سنوات هم عرضة للإصابة بشلل الأطفال في دير الزور.
وحول موضوع اللقاحات قال الطبيب العام مهند دهمش والذي يعمل في إحدى المشافي الميدانية بدير الزور إن اللقاح في السابق كانت أغلب النساء يتم توليدهن في المشافي ويتم إعطاء اللقاح للمولود بشكل تلقائي بعد الولادة مباشرة، ولكن الآن وبسبب تدمير قسم كبير من المشافي لجأ الأهالي إلى الولادة في المنازل ويتأخر الأهالي في تلقيح أطفالهم، مضيفاً إنه بالإضافة إلى نقص كميات اللقاح فإن انقطاع التيار الكهربائي المستمر يسبب تلف هذه اللقاحات والتي يجب أن تحفظ في درجة معينة من 4 إلى 8 درجات.
وأشار الدهمش أن اللقاح الوحيد الذي يتم إعطاءه للأطفال الآن هو اللقاح الأول والذي يتضمن اللقاح ضد الحمى التيفية والسعال الديكي وشلل الأطفال والحصبة.
يتذكر وائل عضو المجلس المحلي صباح اليوم التالي لمذبحة داريا 26 آب/أغسطس 2012 عندما بدأ في المدينة مع زملائه بالبحث عن جثث الضحايا وتجميعها لدفنها وبعد تجميع قرابة أكثر من مائة جثة لاحظ ما أثار صدمته، يقول وائل: إن أكثر ما صدمني ليس شكل كوم الجثث المشوهة المذبوحة أو المتفحمة، بل الأطفال الصغار الذين كانوا يلعبون بالكرة بالقرب منها دون أية مبالاة”!.. يضيف: “لا أحد يدري ما الذي سيكون عليه أطفالنا في المستقبل … أطفالنا يموتون مرتين، مرة حين تمطر عليهم السماء النار والقنابل فيفقدون آبائهم وأمهاتهم ومرة أخرى حين يفارقون الحياة فعلاً”.
لقد أصبحت الطفلة الفيتنامية كيم فوغ أيقونة لدى الشعب الفيتنامي بعد انتهاء الحرب، جروح الطفل عبد الرحمن مازالت منتشرة على كامل جسده جراء تعذيب قوات الأسد، ومازال يتأمل وضع المجرم داخل قفصه ليتسنى له العودة إلى المدرسة واللعب مع باقي الأطفال.