أين نحن من ” العدالة الاجتماعية” ؟؟

تمهيد …

في العشرين من شباط يجيء ما يعرف باليوم الدولي للعدالة الاجتماعية، (يوم المساواة والعدالة الاجتماعية) هو يوم دولي يحتفي بالحاجة إلى تعزيز العدالة الاجتماعية، والتي تشمل الجهود المبذولة لمعالجة قضايا مثل الفقر والاستبعاد والمساواة بين الجنسين والبطالة وحقوق الإنسان والحماية الاجتماعية.

(( ـ في 26 تشرين الثاني/نوفمبر 2007، أعلنت الجمعية العامة أنه اعتباراً من الدورة الثالثة والستين للجمعية العامة، تقرر إعلان الاحتفال سنويا بيوم 20 شباط/فبراير بوصفه اليوم العالمي للعدالة الاجتماعية، اعتبارا من الدورة الثالثة والستين للجمعية العامة)) .

موقع العدالة الاجتماعية في التاريخ:

الأكيد أن بحث الإنسان عن العدالة، والمساواة بين البشر قديم قدم التمييز الذي حصل بينهم نتيجة مجموعة من العوامل، وعبر أحقاب تاريخية سيطر فيها أصحاب الثروات والنفوذ على مقاليد الحكم وأرزاق الناس وحياتهم مما ولّد فجوات واسعة بينهم، ناهيك عن حروب المصالح والسيطرة على شعوب وأمم بكاملها واستنزاف خيراتها ونهبها، وتجارة الرقّ، واستعباد البشر .

ـ مع الثورات البرجوازية التي ترافقت، أو تداخلت مع القفزات الصناعية، ودحر سيطرة الكنيسة والإقطاع دخل العلم ـ بمعظمه ـ حقبة جديدة، خاصة وأن حركة الاستعمار تفاقمت وتمكّنت من “توحيد العالم” بطريقة تعسفية، وظالمة، فاتسعت الهوّة بين فئات مالكة وحاكمة لا تمثل سوى نسبة صغيرة من عدد السكان، وبين أغلبية ساحقة في بلدان المستعمر، بينما رزحت شعوب بأكملها إلى تلك العملية النهبية، الاستعبادية، وإلحاقها بالبلد المستعمر ..

ـ هذه التطورات وإن وحّدت معظم أرجاء المعمورة قسرياً، إلا أنها حملت معها تناقضات كبيرة تبدّت في اتساع الفجوة، وفي تعميم الاستغلال، وتعميق خط الفقر، والبطالة، وسرقة جهد الملايين لصالح تلك الفئات القليلة المسيطرة، وبما أفسح في المجال لوجود نقابات العمال والمهنيين وغيرهم بهدف إحداث شيء من التوازن، وانتزاع بعض الحقوق في العمل والدخل، والضمان الاجتماعي، ومحاولة قيام نوع من العدالة ولو بحدودها الدنيا، وهو الأمر الذي لم يحدث رغم التضحيات، والثورات، والانتفاضات..

ـ على العكس من ذلك في نهب المنتوج العالمي وتقسيم العالم إلى شمال وجنوب، أو دول متقدمة وأخرى”نامية” أو متخلفة قد عاد بشيء من الفائدة على قطاعات واسعة من الشغيلة في تلك البلدان الاستعمارية، وعمّق الهوّة بينها وبين “بلدان العالم الثالث” ولعل في ذلك بعض أسباب تراجع الحركات النقابية الذي عززته “العولمة” بخصائصها، وبتحويل العالم إلى “قرية صغيرة” تؤكد توسّع ميادين الاستغلال والسيطرة عبر الشركات متعددة الجنسيات، وإنشاء عديد المؤسسات التي ساهمت في تكريس تلك الفجوة وربط “العالم الثالث” من رقابه فيها، كالبنك الدولي، وغيره، وإلى تراجع الدخل القومي، وانتشار الفساد والرشوة والمحسوبية وغيرها، وتوطيد أركان أنظمة الاستبداد المدعومة ـ في معظمها ـ من قبل الدول المتقدمة ..

                                           ####

سورية ونظام الفساد والاستبداد والفئوية ..

خمسة عقود ويزيد على حكم استثناء سحق فيها نظام جاء بالقوة خصائص المجتمع السوري، وأحدث فيه فجوات وانقسامات منهّجة قائمة على أسس القمع والمحسوبية والفئوية عبر تحكّم مجموعات قليلة، خاصة أجهزة الأمن والنافذين بحياة وقوت وحرية المواطن بأبسط صورها، وتعميق الهوة في المجتمع بسحق معظم الطبقة الوسطى وإلحاقها بالطبقات الدنيا لصالح فئات مافيوزية تتحكم بالاقتصاد وقوت الناس وحقوقهم بما نسف عملياً أية مقاربات للعدالة الاجتماعية .

ـ خلال عقود حكم النظام جرى تقويض مختلف أشكال العمل النقابي والمهني الذي كان من المفروض أن يكون مهنياً ومطلبياً يعمل على انتزاع حقوق العمال والشغيلة في مختلف ميادين العمل: ساعات العمل ـ الأجور ـ الضمان الاجتماعي ـ تكافؤ الفرص ـ الحدّ من الفجوة بين أرباب العمل والعمال (سلطة أكانوا من القطاع العام أم من القطاع الخاص)، لكن الذي حدث أن ذلك النظام نخر النقابات وفرض عناصره عليها لتحويلها إلى بوق له يعمل كثيرها في كتابة التقارير للأجهزة الأمنية، أو مساعداَ لها في الدوس على حقوق العمال في مختلف المجالات، عدا عن وضع المقربين في مواقع المسؤولية وإقامة شراكات مشبوهة مع مجموعات اللصوص لنهب أموال الدولة، وإفقار الأغلبية الساحقة .

                                           ###

ـ في شعارات الثورة السورية التي لخصتها كانت العدالة الاجتماعية أحد أركانها (حرية ـ كرامة ـ عدالة اجتماعية) والتي قُدّمت بطريقة سلمية وعبر التظاهر، والحراك الاجتماعي الإصلاحي، وقد قوبلت بالقتل التصفيات والاعتقالات، وفتح النار على الشعب السوري، وبما قاد إلى شروخ اجتماعية أوسع وأكثر حدّة ازدادت وتيرتها مع الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد والناجمة بالأساس عن سياسته الإنفاقية على حروبه الإبادية ضد الشعب والبلد، وليس كما يدّعي بأنها ضريبة العقوبات الدولية، ومواقفه ” الوطنية”، وأدّى ذلك إلى هبوط خط الفقر إلى أزيد من 80 % من الشعب الذين يعانون الجوع والفاقة وندرة المواد الضرورية، يتراكب ذلك مع استمرار نهج الكل الأمني ـ القمعي، وعمليات الاعتقال والتغييب، وملاحقة المعارضين وحركات الاحتجاج العادية .

ـ العدالة الاجتماعية غائبة في بلاد الحرية، مسجونة بطبيعة نظام لا يمكن إصلاحه من داخله، ولا خيار سوى إقامة نظام التعددية الذي يقيم عدالة اجتماعية محمية بالدستور والقانون تحقق المساواة وتكافؤ الفرص بين جميع السكان على أساس المواطنة .

ـ الحديث في سورية المنكوبة بنظامها الفئوي يتجاوز كل حدود ومفاهيم العدالة الاجتماعية إلى العدالة الانتقالية التي يجب أن تكون جزءاً من الحل السياسي تقوم على المساءلة والمحاسبة لمن أجرم بحقّ الشعب، وتلوّثت أيديه بالدماء، وللفئات المافيوزية التي تنهب الثروات وقوت الناس وتتركه تحت وطأة الجوع، والفاقة والخوف المعمم .

ـ العدالة الانتقالية منظومة متكاملة تكون العدالة الاجتماعية جزءاً منها، ونتيجة طبيعية لتجسيدها، والتي لن تحقق إلا بقيام نظام مدني ديمقراطي يرتكز على العدل في الأجور والحدّ من التفاوت في الدخول وحقوق المواطنين، وتكريس مبدأ تكافؤ الفرص .

ـ الأكيد أن تخصيص يوم دولي للعدالة الاجتماعية أمر إيجابي وإن كانت مرتسماته ضعيفة الأثر والفاعلية حيث تتحكك الطغم المالية الكبيرة بحياة البشر وأجورهم، وفي حدود الضمان الاجتماعي، والتسريح، والبطالة المقنعة والعامة، بينما تبدو بعيدة المنال في سورية طالما ظلّ النظام الفئوي باقياً …

المصدر: وكالة قاسيون للأنباء

مشاركة
غرد
إرسال
بريد

أحدث المقالات

مقالات أخرى للكاتب عقاب يحيى
مقالات أخرى من وكالة قاسيون للأنباء

البيانات الصحفية

أخر الأخبار

Welcome Back!

Login to your account below

Retrieve your password

Please enter your username or email address to reset your password.

Add New Playlist