“أ.عقاب يحيى” في أهمية تجديد الخطاب الوطني

حين انفجرت الثورة الثورية ردّاً على عقود الاستبداد والقمع والتهميش لم تكن حالة فئوية لمجموعة دون غيرها، أو لمرجعية فكرية وسياسية محددة وإنما لعموم الشعب السوري بكل أطيافه ومكوّناته وأماكن تواجده وتوزعاته، وقد بلورت جوهرها في أنها ثورة لأجل الحرية والكرامة والعدالة، وليست ثورة جوع، وأنها ثورة شعبية كما انطلقت وحافظت على سلميتها أشهراً طويلة قبل أن يجبرها النظام على الدفاع عن النفس لحماية المتظاهرين الذين ووجهوا بالقنص والقتل والاعتقال، ثم ولادة ظاهرة الضباط والعسكريين المنشقين الذين رفضوا توجيه السلاح إلى صدور شعبهم، وآثروا حمايته بما يملكون من سلاح فردي.

لخصت الثورة طبيعتها في شعار :

واحد واحد واحد         الشعب السوري واحد

وفي أسماء الجمُع ورايات المتظاهرين، وعبر مشاركة طيف واسع من الناس الذين مثلّوا أغلبية الشعب في عموم المناطق والمدن السورين عمّقت الثورة هويتها كونها تخصّ السوريين جميعاً دونة تمييز، وكانت مساهمة ما يعرف بـ”أبناء الأقليات” بارزة، ومن شخصيات مهمة من الفنانين والأدباء والشعراء الذين كانوا يتنقلون من مدينة إلى أخرى (سنية) للمشاركة في حراكها الشعبي وسط ترحيب هائل من الأهالي، وشاركت سلمية منذ الأيام الأولى في حراك متصاعد وقوي ثاقبة بذلك ادعاءات النظام بأنه “حامي الأقليات”، ورغم الإهمال الذي عرفه حراك السويداء فقد كان نوعياً منذ البدايات، وشمل نخباً مهماً من المحامين والمثقفين والسياسيين والشباب الناشطين، ومن حركة الضباط المنشقين، كما شارك الآلاف من المسيحيين والمحسوبين على الطائفة العلوية فيما يمكن اعتباره بالعرس السوري الذي أبرز خصائصهم الأصيلة في التناغم والتضامن والعمل المشترك، وفي الالتفاف حول الشعارات الوطنية، وعلم الثورة الذي اختاروه رمزاً لهم.

ـ لكن عوامل متراكبة، ومتشعبة أسهمت في انزياح كثير من المحسوبين على “الأقليات” عن مواصلة إسهامهم المباشر بالثورة، ووقوف عديد منهم على الحياد، أو الوصول إلى حالة من اليأس والإحباط، وهناك من انضوى في خندق النظام وبات جزءاً من منظومته القمعية، الفئوية .

ـ لقد عمد النظام بتخطيط خبيث، ومسبق على شيطنة الثورة، ومحاولة تشويه هويتها، ومسارها، بدءاً من الاتهامات السخيفة بالمندسين، والإرهابيين، والمقاتلين، وصولاً إلى وصفها كحركة تمرد عسكري لمجموعات متآمرة، مأجورة، وحالة ” سنية” مدفوعة الأجر من قبل تركيا والدول الخليجية، ومن أمريكا وغيرها، بالوقت نفسه كان يعمل على تعزيز ذلك الانطباع بمجموعة من الإجراءات كإطلاقه لنحو 650 سجين من المحسوبين على المتشددين الإسلاميين كانوا في سجن صيدنايا، وتوقيت ذلك مع مسرحية الحكومة العراقية الحليفة له بـ”هروب” أكثر من 1500 من التابعين للقاعدة والتنظيمات الإرهابية وبدء تكوين مجموعات عسكرية تركب على الثورة وتسهم في تشويهها، وتوجيه ضربات مؤذية لها .

ـ إن استهداف “المناطق السنية” بتلك الطريقة الإجرامية، الإبادية، الإذلالية، ونشر أشرطة مصوّرة وتصريحات لجنوده وشبيحته مليئة بالحقد والطائفية كانت ترمي إلى أهداف واضحة في خلق ردود فعل مماثلة يحاول أن يثبت من خلالها ما كان يخطط له، ولا شكّ ـ هنا ـ أن كثير المخترقين والعملاء، وبعض الغلاة المحسوبين على الثورة، ومن ناس عاديين ، قدّموا له الخدمات التي يريدها بإطلاق تصريحات تتسم بردّ الفعل ونشرها على أوسع نطاق، في وقت انتشرت فيه المظاهر الإسلامية في الفصائل العسكرية، وفي أسمائها، الأسماء الحركية لمعظم قادتها، وبعضها دخل في تلك الشعاب الضيّقة: تصريحات وبعض ممارسات .

ـ هذه التطورات التي ترافقت مع تعقيدات الثورة السورية ـ الطبيعية والمفتعلة ـ وتراكم السنوات دون أي أفق لحسم عسكري أو سياسي، والأخطاء التي وقعت فيها الفصائل العسكرية والمؤسسات المحسوبة على الثورة، صبّت جميعها تأثيراً في الحاضنة الشعبية التي عرفت ضموراً واضحاً في عديد المدن والمناطق التي كانت مع الثورة، وكبّرت ما يعرف بـ”الكتلة الرمادية”، أو الحيادية، وتراجع الكثير من “أبناء المكونات” عن الإسهام المباشر، بينما لم تنجح الثورة في تجديد خطابها، ومعالجة هذه الظواهر والتطورات بوقت مبكر، وعبر التوجّه لجميع فئات الشعب بغض النظر عن جنسهم، وإثنيتهم، ودينهم، ومذهبهم، وفكرهم، وخياراتهم السياسية .

الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة يعاني إشكالية في الاسم الذي يحصره في فئة المحسوبين على الثورة، وكأنه غير معني بغيرهم، بينما يتناقض ذلك مع الاعتراف الدولي به، وما يعتبره من أهم مركباته بأنه الممثل للشعب السوري، وهناك من يضيف الوحيد، أي الممثل الشرعي والوحيد، بينما ما زال البعض يصر بأنه الممثل الشرعي للثورة .

ـ إن الائتلاف وهو يعتبر نفسه، وتعتبره كثير من الدول بأنه الممثل الشرعي للشعب، يعني بداهة أنه مسؤول عن جميع فئات الشعب السوري بكل أماكن تواجدهم، واختلافاتهم الفكرية والسياسية والدينية والمذهبية، بما فيها ” الكتلة الصامتة”، أو تلك المحسوبة على النظام، والطبيعي ألا يستثني سوى المجرمين الذين مارسوا قتل الشعب السوري .

ـ إن اعتبار الائتلاف أنه الممثل الشرعي للشعب يستوجب منه إعادة النظر ليس في خطابه وحسب بل في حركته وبرامج عمله ووضع نفسه في موقع المسؤول عن جميع فئات الشعب أينما كانوا، وأيّاً تكون مواقعهم ومواقفهم، وهو يستوجب أيضاً القيام بالتواصل مع مختلف الأطياف السورية بما يتجاوز “المناطق المحررة” أو اللاجئين والمهجّرين إلى أولئك القابعين تحت سيطرة النظام، وفي مناطق سلطات الأمر الواقع، وأن يبني معهم، ومن خلالهم سورية المأمولة . سورية النظام المدني، التعددي، الديمقراطي الذي يحقق المساواة التامة بين أفراد الشعب جميعاً وفق دستور يقررونه في استفتاء عام يكون الحامي والضامن للحقوق والواجبات .

ـ إن الاهتمام بحراك الشعب السوري في جميع المناطق، وبأوضاع الناس الصعبة في هذه الأزمة الطاحنة التي تطال الجميع مهمات ملحة على الائتلاف النهوض بها وفق برنامج عملي يكرّس الاصطفاف الوطني، والتشاركية الحقيقية، ويسمح بإسهام الجميع في الضغط على النظام المجرم للانصياع للحل السياسي، وبناء البديل المنشود الذي ينهي الاستبداد، والفئوية والفساد.

المصدر: وكالة زيتون الإعلامية

المصدر: وكالة زيتون

مشاركة
غرد
إرسال
بريد

أحدث المقالات

مقالات أخرى للكاتب عقاب يحيى
مقالات أخرى من وكالة زيتون

البيانات الصحفية

أخر الأخبار

Welcome Back!

Login to your account below

Retrieve your password

Please enter your username or email address to reset your password.

Add New Playlist