عشر سنين على الثورة السورية.. آفاق الحل السياسي

عقد يمرّ على انطلاقة الثورة السورية وقد بات ما يعرف بـ”الأزمة السورية” أشدّ تعقيداً، وتشعباً، بواقع انسداد الأفق على حلّ سياسي حقيقي، أو تلبية تضحيات الشعب السوري الكبيرة في إنهاء نظام الاستبداد والفئوية وإقامة النظام التعددي، المدني، الديمقراطي الذي يحقق المساواة لجميع السوريين على مختلف فئاتهم وفقاً للمواطنة المتساوية المكرّسة في دستور يقره الشعب، وهيئات منتخبة بانتخابات حرة ونزيهة (رئيس الجمهورية ـ مجلس الشعب ـ مجلس القضاء المستقل..).

أكثر من ذلك فالمسألة السورية أصبحت مدوّلة فعلياً، ورهن إرادة وقرارات مجموعة من الدول الخارجية، وفي مقدمها كل من الولايات المتحدة الأمريكية ورسيا، إلى جانب الدول الإقليمية والأوربية، بل إن البلاد تعرف تموضعات شبه دولتية تقسّمها ـ بطريقة ما ـ إلى أربعة يهدد استمرارها وحدة سورية في مختلف المجالات، والأشكال.

العملية السياسية

الثورة السورية في انطلاقتها، وجوهرها حركة سلمية، شعبية، اجتماعية، وليست عنفية، أو عسكرية، وكانت تأمل عبر المظاهرات والحراك المدني أن تصل إلى إنهاء النظام الأحادي، الفئوي، الاستبدادي، وقد اجتمعت عدة عوامل ـ مفروضة، وخارج إرادتها ـ لاستخدام السلاح، ثم العَسكرة وتداعياتها، بما فتح الأبواب لشتى أنواع التدخلات الخارجية، بدءاً من استدعاء النظام لإيران وميليشياتها الطائفية، والتي تفتخر إيران علناً بأنها هي من أنقذ النظام الذي كان على وشك الانهيار والسقوط بدءاً من أواخر عام 2012 وحتى العام 2013، ثم استقدام المحتلّ الروسي، وتدخّل عديد الدول الإقليمية والخارجية التي أوهمت الشعب السوري الثائر بأن نهاية النظام قريبة، وبالقوة .

ـ مع الثمن الغالي جداً الذي دفعته سورية (نحو مليون شهيد ـ دمار شامل ـ مئات آلاف المعتقلين والمفقودين، نزوح ولجوء وهجرة أكثر من نصف الشعب السوري)، وبعد أن كانت فصائل الجيش الحر تسيطر على أكثر من 70% من مساحة سورية، ظهر أن الحل العسكري مرفوض من قبل المحسوبين على أنهم أصدقاء الشعب السوري، ونخصّ منهم بالتحديد الإدارة الأمريكية التي هي الثقل الأكبر والطاغي في المعادلة الدولية، وفي حسم الأمور وفق قراراتها. على عكس المتوقع حين اخترق نظام الأسد الخطوط الحمراء التي حددها الرئيس الأمريكي أوباما باستخدام السلاح الكيماوي في الغوطتين الغربية والشرقية، والتي راح ضحيتها 1500 جلّهم من الأطفال، بأنه سيعاقب النظام بضربة عسكرية قد تحمل نهايته، حدث الاتفاق مع الروس تحت عنوان “نزاع السلاح الكيماوي لدى النظام” والذي أظهرت الأحداث أنه لم يقتصر على ذلك الجانب بل شمل تفويض روسيا بالملف السوري ودخولها قوة احتلال في أيلول 2015، وما أحدثته من متغيّرات لصالح النظام، وضدّ قوى الثورة وفصائلها العسكرية.

ـ عبر هذه التطورات ومفروضاتها وافق الائتلاف على بيان جنيف، وعلى خوض المفاوضات في جنيف، مؤكداً أن الحل السياسي خياره الإستراتيجي، وكانت جولات جنيف العقيمة منذ العام 2014 وحتى تاريخه.

ـ وعي طبيعة النظام، وتركيبته، ورفضه لأي حلّ سياسي ليست لغزاً غير معروف لقوى المعارضة، فنهجه يرفض أي حل سياسي، ويشعر عند قبوله بأي خطوة أنه تنازل يفضي إلى نهايته، وبالتالي ستستمر مفاوضات جنيف، مهما كانت أسماء جلساتها عبثية دون أي تقدّم ملموس، وهي حقيقة ندركها منذ البداية، وأكّدتها مجريات الجولات جميعها، وعبّر عنها بوضوح المندوب الأممي الأخضر الإبراهيمي الخبير بمعرفة طبيعة نظام الأسد ومواقف الأطراف الدولية، كما صرّح عنها المبعوث الدولي ديمستورا بعد مضي أربع سنوات في مهمته ومحاولاته التلاعب بجوهر القرارات الدولية فيما يعرف بـ”السلال الأربع” وعملية الانزياح التي حصلت فيها، وقد قال: “إنه لا وجود لحل سياسي ما لم يتفق الطرفان الرئيسان: أمريكا وروسيا، ومعها بعض الدول الإقليمية كتركيا والسعودية وإيران”.

ـ ما حصل كان دحرجة حتى بالنسبة لسلال ديمستورا نحو أحادية تبدو فيها البصمات الروسية واضحة، وهي سلة اللجنة الدستورية، وما هو أبعد منها حيث تفيد كافة المعلومات المتوفرة على أن النظام، وبمباركة روسية، سيقوم بإجراء انتخابات رئاسية في الشهر السادس، أو السابع من هذا العام، وسيكون المجرم بشار الأسد الفائز قطعاً في ظلّ الأوضاع القائمة وسيطرة النظام الكاملة على مفاصل الدولة السورية .

السؤال الكبير الذي يطرح نفسه بقوة: طالما أن العملية السياسية لن تتحقق، وطالما أن تلك الدحرجة قد حصلت بالاقتصار على أعمال اللجنة الدستورية ـ المتعثرة أيضاً ـ وطالما أن الوسيط الدولي تيرسون يطرح في إحاطته لمجلس الأمن مصطلحات جديدة تتناقض أصلاً وروحية بيان جنيف، والقرار 2254 فيما أسماه بالعدالة التصالحية، وتراجعه إلى استخدام مصطلح مشابه آخر”العدالة التعويضية” بديلاً للعدالة الانتقالية.. ما الذي يبرر استمرار هيئة التفاوض السورية في مفاوضات جنيف ؟؟..ولماذا لا تنسحب نهائياً، أو تعلق حضورها على الأقل ؟؟.

ـ الخيار السياسي هو الخيار الوحيد المتاح، وهو يعبرّ عن إرادة دولية تلقى الإجماع، والمعارضة لا تملك خيارات بديلة واضحة، لكنها لا بدّ وأن تعمل على تعديل آلية مفاوضات جنيف، وكذلك تغيير أسلوب التعامل، وتكتيك التعاطي مع حيثيات الجلسيات ومآلها .

ـ لقد قبلت الدخول في المفاوضات على أساس بيان جنيف، والقرار 2254، وما يمثل جوهرهما في تشكيل هيئة الحكم الانتقالي، وليس الاقتصار على اللجنة الدستورية، ناهيك عن إعلان رفضها لأطروحات النظام باعتماد الدستور المقرّ من قبله لعام 2012 بالتأكيد على صياغة دستور جديد، وأن اللجنة الدستورية على فرض أنها أنجزت مهمتها فإنها لن تقدّم الكثير في مضمار الحل السياسي الذي لا يمكن أن يقتصر على هذا الجانب ويهمل الأساس المتعلق بإجراءات ما يعرف بـ”البيئة الآمنة”، التي تعني بناء أجهزة أمنية جديدة، وإعادة نظر بالمؤسسة العسكرية، عدا عن بعض الإجراءات الضرورية التي تقع خارج بحث السلال، والمتعلقة بالإفراج عن كافة المعتقلين وكشف مصير المفقودين، وتوفير الشروط اللازمة لعودة اللاجئين، والسماح بمرور قوافل الإغاثة.

المصدر: وكالة زيتون

مشاركة
غرد
إرسال
بريد

أحدث المقالات

مقالات أخرى للكاتب عقاب يحيى
مقالات أخرى من وكالة زيتون

البيانات الصحفية

أخر الأخبار

Welcome Back!

Login to your account below

Retrieve your password

Please enter your username or email address to reset your password.

Add New Playlist