على هامش”نداء الى شعبنا السوري”
فايز سارة
آخر الصرخات السورية لمرحلة ما بعد معركة حلب، كان ورقة “نداء الى شعبنا السوري” الذي وقعه عشرات من المفكرين والكتاب والسياسيين والناشطين، وضمنوه “وجهة نظر نقدية لتصحيح مسارات الثورة”، كما قال النداء الذي حدد أصحابه، إن مهمته مراجعة مسيرة الثورة “بطريقة نقدية ومسؤولة لمعرفة أين كنا وأين صرنا؟ أين أصبنا أو أخطأنا؟ ولماذا حصل ما حصل؟ وما السبيل إلى تصويب أوضاعنا؟ باعتبار ذلك من ضرورات العملية النضالية، وأبجديات العمل السياسي”. وبناء وانطلاقاً من وظيفة النداء، أعادوا التذكير بأهداف الثورة في “إنهاء نظام الاستبداد والفساد، ومن أجل الحرية والكرامة والمواطنة والديمقراطية والعدالة والدستور، ومن أجل استعادة الدولة”، ثم انتقلوا لتناول ملامح أساسية من تطورات القضية السورية، قبل انتقالهم إلى ما أسموه “أوهام ومراهنات ينبغي القطع معها” في تعداد لما اعتقدوا أنه ارتباكات وارتكابات، تمت في المستويين السياسي والتنظيمي من جانب الثورة والمعارضة في السنوات الست الماضية، وقد بنوا عليها استنتاجاتهم للخطوات اللازمة تحت عنوان فرعي “مهمات في مسار جديد للثورة السورية”، لينتهوا إلى قول “هذه هي مراجعتنا لمسارات ثورتنا المجيدة، وهذا هو نداءنا لشعبنا لتصحيح هذه المسارات على طريق الحرية والكرامة والمواطنة…”.
صرخة المبادرين الى اصدار “النداء” ومن وقعوا عليه، كما غيرها من صرخات السوريين المكررة، ومن الطبيعي، أن تصدر عليها ردات فعل متفاوتة، تترواح حدودها ما بين تأييد واستحسان ما تضمنته كلياَ أو جزئياً، ونقد محتواها وصولاً إلى التشهير بمن قاموا بكتابتها أو التوقيع عليها بمعنى تبنيها أو دعهما، فهذا تقليد سوري رسخته التجربة في الأعوام الماضية.
ودون الدخول في مناقشة وجهات النظر المختلفة حول الـ”نداء” في محتوياته واستنتاجاته، وخلفيات القائمين عليه، واختلاف وجهات النظر حول ما سبق، فإنه وباعتباري أحد الذين شاركوا في صناعة تلك الورقة، فقد يكون من المهم، أن أشير إلى بعض الظروف، التي قادت إلى هذا الجهد، وقد كان ثمة موجبات مستمرة للقيام به او بمثله على مدار السنوات الماضية، وقد فعل كثير من السوريين ذلك، وفي معظم الأحيان، كانت مجموعتنا او بعض اشخاص منها في تلك المحاولات، بما فيها خطوات ذهبت في محاولات تنفيذية، لكنها لم تصل إلى النتائج المرجوة، غير أنه وفي نتائج معركة حلب الأخيرة، التي تمثل مفصلاً سياسياً وعسكرياً مهماً في مسار القضية السورية، ووسط السياسة التي تعاملت معها قوى المعارضة السياسية والعسكرية بما لايعكس أهمية المعركة ونتائجها، ولايتناسب مع مسؤوليتها السياسية والعسكرية المباشرة وغير المباشرة عما حدث، فإن هذين الظرفين فرضا ضرورة الذهاب الى خطوة جديدة، تكون أشمل وأكثر تدقيقاً في نقد التجربة، ورسم خارطة طريق لما ينبغي القيام به، وهو أمل قد لا نكون بلغناه، لكن لدينا كل الأمل في أن نبلغه بالتعاون مع سوريين آخرين، يمكن يثروا النقاش حول الورقة لاكمالها، والأهم بذل جهدهم في خلق القدرة العملية لتحويل الأفكار إلى عمل، لأنه لا قيمة لأية فكرة، اذا لم تتحول إلى قوة واقعية في حياة الناس وعلى الأرض.
إن الهاجس الأساسي الذي صاحب السعي من أجل الوصول إلى صيغة النداء، تركز في السعي نحو رؤية عامة وموضوعية في آن واحد، من فريق واحد عبر صيغة تفاعلية، تناقش وتحلل القضية السورية بالتركيز على نقاط ثلاثة، أولاها، كانت نقطة توصيفية تحليلية، ركزت في البحث عن فهم أشمل لتطورات الوضع السوري في واقعه وتطوراته الداخلية وفي علاقاته الداخلية والإقليمية والدولية، والعلاقات الرابطة بينها جميعاً، ولهذا فإنه لم يتم التركيز مثلاً على أي جانب أو طرف وحده، بل بعلاقته مع غيره من الجوانب والأطراف، بخلاف ما درجت عليه كثير من محاولات، تقييم ما حصل وتفسيره.
والنقطة الثانية، كنت نقطة استنتاجية، جرى بناء محتوياتها على سابقتها من جهة وعلى ما يعتقد أنه احتياجات ضرورية للذهاب في القضية السورية إلى نهاية، تتناسب واحتياجات الشعب السوري الراهنة والمستقبلية وسط ما يحيط بسورية والسوريين من كوارث، لابد من مواجهتها في الطريق إلى مستقبل أفضل لسورية وأبنائها، وبناء عليه جرى تحديد مهمات المرحلة المقبلة، كما صاغتها الورقة.
النقطة الثالثة، دفع مزيد من الشخصيات والتنظيمات العاملة في صفوف المعارضة السورية للانخراط في نقاش جدي وتفكير عميق بما جرى، وبيان سبل الخروج العملي منه، أخذاً بعين الاعتبار الظروف الموضوعية والمعطيات الواقعية نحو المهمات المطلوبة سواء العاجلة منها أو المهمات الأبعد، والتي من شأنها تحقيق أهداف الشعب السوري وثورته في السلام وإنهاء معاناة السوريين، وإقامة نظام وطني ديمقراطي يوفر الحرية والعدالة والمساواة لكل السوريين.
إن إثارة نقاش جدي ومسؤول في أوساط السوريين بات امراً ضرورياً، لا يقبل التأجيل وليس مقبولاً أخذه على طريقة النقاشات السائدة، سواء في تفاصيلها، التي تبعدنا عن الهدف الرئيس، او طريقتها، التي تركز على إدانة الآخرين وتبرئة الذات، او أهدافها والتي غالباً ماتكون تحقيق انتصارات صغيرة او اثبات للذات الشخصية أو الحزبية – السياسية في مواجهة الآخرين. لقد بتنا بحاجة إلى تغيير كثير ليس في فهمنا لما جرى والمهمات المطلوبة على نحو ما ذهبت الورقة إليه، إنما أيضاً إلى إعادة ترتيب علاقاتنا ونظرتنا لأنفسنا وللآخرين سواء المشاركين معنا في هموم القضية السورية وشؤونها، أو المختلفين معنا بمن فيهم أعداء هذه القضية، التي دفع شعبنا من أجلها كثير من التضحيات، وتعرض لكثير من معاناة غير المسبوقة.
المصدر: المدن