كلمة
خالد خوجة
رئيس الائتلاف الوطني السوري
29 نيسان 2015
أصحاب السعادة السفراء الكرام،
أتوجه لكم بجزيل الشكر على إتاحة الفرصة لأتحدث أمامكم اليوم، وأخص بالشكر فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة على عقد هذه الجلسة. وأود أن أستغل هذه الفرصة لأشكر أصدقاء الشعب السوري الذين قدموا بسخاء مساعدات إنسانية، ووفروا الحماية والعون لأهلنا اللاجئين، ودربوا وجهزوا فرق الدفاع المدني الباسلة.
أصحاب السعادة،
أخاطبكم اليوم، في وقت نتذكر جميعاً ضحايا الحرب الكيميائية، والسوريون هم من ضمن أولئك الضحايا. لقد تعرض السوريون لجحيم الأسلحة الكيميائية، والبراميل المتفجرة، والصواريخ البالستية، والقتل تحت التعذيب، والتجويع والحصار، على يد دكتاتور، حاول بكافة الوسائل قمع حق الشعب السوري في نيل حريتة وكرامته. ولا أريد أن أكرر هنا أرقام وإحصاءات جرائم نظام الأسد، فجميعكم تعرفونها. إن الجرائم التي ارتكبها نظام الأسد، بالتقسيط، ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية، وجرائم حرب، وبالتالي فهي وصمة عار دائمة على المجتمع الدولي، وخصوصاً على هذا المجلس. وما زال الوضع يزداد سوءاً. ولقد ولّــدَتْ وحشية الأسد، وفشلُ المجتمع الدولي في وضع حد لهذه الجرائم، تهديداً عدوانياً متطرفاً، يشكل خطراً واضحاً وقائماً على العالم بأجمعه.
وقد أعرب مجلسكم هذا عن قلقه وإدانته للأوضاع المتردية في سورية، لكن الكلمات وحدها لا تكفي. فلم توقف الإدانات قصف الأسد الجوي، ولن تنهي البيانات القوية إرهاب داعش. كما أن القرارات التي صدرت عن مجلسكم هذا بشأن وصول المساعدات الإنسانية، ولمنع استخدام الأسلحة الكيميائية لم تحدث الأثر المطلوب. فعلى سبيل المثال، أحصت الشبكة السورية لحقوق الإنسان، 87 انتهاكا لقرار مجلس الأمن رقم 2118. وعلى الرغم من جهود البعض، فلم تؤد أي من الخطوات التي اتخذها المجتمع الدولي إلى التغيير الذي نحتاجه. نحن بحاجة إلى وضع حد فوري للقتل، ولوضع البلاد على طريق الحل السياسي، على أساس بيان جنيف لعام 2012.
السيدات والسادة،
إننا نعتقد أن الفرصة سانحة اليوم ليأخذ مجلسكم خطوات حاسمة لإنهاء الصراع الدائر في بلادي، خاصة على ضوء ثلاثة تطورات هامة، تشكل في مجملها ــ من وجهة نظرنا ــ فرصة للدفع باتجاه الحل السلمي.
أولاً، الانتصارات العسكرية للمعارضة في الشمال والجنوب، على الرغم من الدعم الذي يلقاه النظام من بعض القوى الإقليمية والدولية، والمليشيات المرتزقة القادمة من كل حدب وصوب. ويترافق مع هذا التطور، انقسامات داخل النظام، وتصفيات لبعض رموزه، خاصة ممن ترافقت أسماؤهم مع جرائم معروفة، ومثال اللواء رستم غزالة لم يكن الأول ولن يكون الأخير. ويترافق التراجع العسكري والاقتصادي للنظام مع انسحاب قواته من المدن ليعود فيقصفها جواً.
ثانياً، هناك تطورات إيجابية هامة على صعيد المعارضة، والائتلاف الوطني تحديدأ. لقد تجاوزنا في الائتلاف عقلية المعارضة إلى عقلية الدولة وأخذنا بزمام المبادرة، وذلك من خلال فتح مسارات حوار مع باقي أطياف المعارضة السياسية (ومنها تيار بناء الدولة، وهيئة التنسيق الوطني)، وذلك بهدف توحيد الجهود والمواقف ضمن مرجعية بيان جنيف. كما بدأنا بلقاءات مشتركة مع الجبهات والفصائل العسكرية في الداخل، للخروج بتوافقات حول محاربة التطرّف واستيعاب جزء كبير من مؤسسات الدولة العسكرية والأمنية والمدنية في المرحلة الانتقالية. ويعتبر اللقاء التشاوري الأول الذي أجريناه يوم 25 نيسان، وحضرته أغلبية الفصائل العسكرية التي تحارب نظام الأسد وداعش، خطوة على تشكيل توافق وطني شامل لشكل الحل السياسي، والقبول بالدولة المدنية الديمقراطية.
السيدات والسادة،
لا آتي بجديد إذا أخبرتكم بأننا متجاوبون مع فريق السيد ستيفان دي مستورا في إيجاد حل سياسي يقبله السوريون جميعاً، كما كنّا متجاوبين مع جهود السيد الأخضر الإبراهيمي وكوفي أنان. ونود أن نؤكد هنا، أن مواقفنا من المبادرات الإقليمية مرهونة بنسبة توافق هذا المبادرات مع مخرجات جنيف حول المرحلة الانتقالية. نحن لسنا معارضة تقليدية وإنما قوى ثورة ذات هدف مشترك وهو إسقاط الديكتاتورية وحقن الدماء وبناء سورية، دولة حرة ديموقراطية. وفي هذا الإطار، لقد طورنا على مدى السنوات الأربعة الماضية، وثائق وأدبيات توافقت عليها جميع أطياف المعارضة، ومنها الوثيقة التأسيسية للمجلس الوطني لعام 2011، ووثيقتي القاهرة لعام 2012، والوثيقة التأسيسية للائتلاف الوطني، وخارطة الطريق التي قدمناها أثناء مباحثات جنيف، والنقاط الثلاث عشرة التي قدمناها كأساس للحوار مع باقي الفصائل. كما لدينا تصور تفصيلي للمرحلة الانتقالية، ومنها مشروع (اليوم التالي)، ونعمل على تطويره وفق المتغيرات بشكل مستمر.
التطور الإيجابي الثالث المحفز للتحرك الدبلوماسي هو الموقف الخليجي والعربي والإسلامي الموحد من التوسع الإيراني، والمليشيات المرهونة به، وكانت ذروته الموقف الحاسم الذي قادته المملكة العربية السعودية في عاصفة الحزم، وعملية إعادة الأمل، والجهود الدبلوماسية لإيجاد حل شامل للأزمة في اليمن الشقيق. لقد رفع التدخل الخليجي في اليمن من معنويات شعبنا السوري الذي يعاني من التدخل الإيراني السافر في بلادنا، ومن إرهاب الميليشيات الشيعية التابعة له، كما تفاءل بإمكان اتخاذ مجلسكم هذا خطوات فعالة على صعيد إنهاء الصراع في بلادي، كما فعلتم مع القرار 2216 والذي جاء تحت البند السابع.
توفر هذه التطورات فرصة أمامنا، لوضع حد فوري للقتل والمعاناة الإنسانية، وبدأ عملية تفاوض شاملة على أساس بيان جنيف الأول. ومع أن بعض هذه الخطوات قد يأخذ وقتاً، فإن مجلسكم يمكنه اتخاذ خطوات عملية لتخفيف المعاناة الإنسانية وحماية المدنيين، وهي الأهداف التي لا خلاف عليها بين أعضاء المجلس.
إننا نناشد مجلسكم هذا أن يتخذ الإجراءات التالية:
أولاً، تنفيذ القرارات الإنسانية، وتلك المتعلقة بحظر استخدام غاز الكلورين.
ثانياً، التأكيد على المحاسبة والمسائلة كأحد مكونات الحل السياسي.
ثالثاً، إننا نطالبكم باتخاذ إجراءات فعالة لوقف البراميل المتفجرة من خلال إيجاد مناطق آمنة، يمكنها أن تخدم الهدف النهائي وهو إيجاد حل سياسي مستدام، وتحقق هدفيين في المدى القصير، وهما: حماية المدنيين وتخفيف المعاناة الإنسانية.
السيدات والسادة،
توفر المناطق الآمنة حماية للمدنيين، وذلك من خلال حرمان النظام من استهداف أعداد كبيرة من المدنيين باستخدام البراميل المتفجرة. كما ستوفر المنطقة الآمنة حماية من الأسلحة الكيماوية. وعلى الرغم من اتخاذ قرارين في مجلس الأمن يهددان باستعمال تدابير الفصل السابع في حال استخدام المزيد من الأسلحة الكيميائية، فلا يزال نظام الأسد يستخدم غاز الكلورين، من دون أي عواقب. كما ستعزز المناطق الآمنة من إمكانية تنفيذ قرارات مجلس الأمن. وعندما تتوفر منطقة حماية المدنيين، فستحرم هذه العملية المتطرفين من استخدام جرائم الأسد كوسيلة للتجنيد.
ثانياً، ستساعد المناطق الآمنة على التخفيف من المعاناة الإنسانية. فهي ستخلق حيزاً يمكن من خلاله تسليم المساعدات الإنسانية بأمان أكبر في بعض المناطق. كما ويمكنها أن تبطئ نزوح اللاجئين أو خلق الأمان اللازم لعودة بعضهم إلى مواطنهم. ويمكن للمنطقة الآمنة أن توفر الخطوة الأولى للمساءلة والمحاسبة التي طال انتظارها.
أصحاب السعادة،
لقد أثبتت السنوات الأربع الأخيرة أنه وعلى الرغم من بلوغ المأساة الإنسانية درجة لا يمكن السكوت عنها، وعلى الرغم من التهديد الواضح للسلام والأمن الدوليين، فلم يكن المجلس على درجة المسؤولية تجاه توفير الحماية للشعب السوري، والحد من الكارثة الإنسانية، وإيجاد حل سلمي للصراع في بلادي. ومع هذا فإننا سنستمر في وضع مجلسكم هذا أمام مسؤولياته، لكننا لن نقف مكتوفي الأيدي، أمام أسوأ كارثة إنسانية عرفتها البشرية منذ الحرب العالمية الثانية. إننا سنتوجه إلى الدول الشقيقة والصديقة، تلك الدول التي وقفت مع الشعب السوري ونطلب منها إيجاد مناطق آمنة، فأي إجراء يخدم حماية المدنيين، ويخفف المعاناة الإنسانية، ويساهم في إحلال السلام، هو إجراء قانوني وأخلاقي، وحتى ولو لم يكن هناك قرار بشأنة.
السيدات والسادة،
إننا نعتقد أن جرائم نظام الأسد، وفشل المجتمع الدولي، هي المسؤولة عن أسوأ كارثة إنسانية، وعن ظهور أسوأ تنظيم إرهابي، حمل اسم “الدولة الإسلامية”، والإسلام منه براء، الأمر الذي يشكل تهديداً مباشراً للسلم والأمن الدوليين، ونحن هنا لنقول لكم بإننا سنفعل كل ما بوسعنا، بالعمل معكم ومع بقية دول العالم لوضع حد لهذه المأساة، والتصدي لمهام السلام والتنمية وبناء دولة الحرية والديمقراطية.
شكرا لكم.