بيان صحفي
الهيئة الوطنية لشؤون المعتقلين والمفقودين
30 آب، 2018
الاعتقال خارج القانون، الإخفاء القسري، التعذيب والتصفية وكافة ضروب المعاملة اللاإنسانية أوصاف لسلوكيات متجذرة لدى النظام منذ أن استولى الأسد الأب على السلطة في سورية، مترسخة في ممارسات أجهزته لنصف قرن مضت، ممنهجة في شكل تعاطيه مع المعارضة قبل وخلال الثورة، متعمدة كأحد أهم مرتكزاته في الحكم بنشر الرعب في صفوف الشعب؛
حتى انفجر المخزون الدفين في نفوس الناس من الألم والأمل معاً وتحررت طاقاته الكامنة مع اندلاع الثورة السورية؛ ولم تك مصادفةً أن اعتقال أطفال درعا واقتلاع أظافرهم في 27 / 2 / 2011 كان السبب المباشر لتشتعل المدن السورية بمظاهرات سلمية بدأها الناشطون في دمشق مع أهالي الأطفال وأهالي معتقلين آخرين من باقي المحافظات أمام وزارة الداخلية في المرجة بتاريخ 16 / 3 / 2011.
يستمر النظام باعتقال الناشطين وتعذيبهم فتتشكل دوافع إضافية لتستمر الثورة؛ ولتفضح صور الضحايا المسربة عبر سيزر مع التوثيقات الأخرى والتقارير الصادرة عن لجان التحقيق الدولية، والمنظمات المستقلة حجم الجريمة التي لا يمكن تطويقها؛
يواجه النظام في الأشهر الأخيرة ضغطاً دولياً داعماً لمطالب المعارضة والمنظمات الحقوقية من أجل فتح السجون السرية والرسمية أمام الصليب الأحمر الدولي، فيعتقد واهماً أنه يستطيع إغلاق الملف بإعلان المعتقلين وفيات، ويبلغ في منتصف 2018 دوائر النفوس بقوائم تحتوي أسماء آلاف المعتقلين، تشير وقائع وفاتهم في السجلات إلى تواريخ سابقة تمتد معظمها من 2012 إلى 2014؛
يدين النظام نفسه بنفسه ويقدم أدلة تورطه بخطفهم وإنكارهم وإخفائهم قسراً طيلة السنوات الماضية؛ مضيفاً إلى سلسلة جرائمه المتعددة بحقهم وهم أحياء، جرائم جديدة مستمرة وهم أموات، بامتناعه عن تسليم جثمانهم لأهلهم، أو إعلامهم بأماكن دفنهم، وبعدم إجراء تحقيق نزيه ومحايد لتحديد السبب والمسبب في الوفاة؛
يرتب الفقه الدولي لحقوق الإنسان على عاتق السلطات مسؤولية إثبات أن وفاة أي شخص خلال الاحتجاز طبيعة ولم تحصل نتيجة اعمال قامت بها، أو إهمال لأعمال عليها القيام بها، ولذلك يجب أن تخضع جميع حالات الوفاة لتحقيق مستقل وشفاف وشامل، ويكفي عدم انجاز هذه التحقيقات لتحميل السلطات مسؤولية الوفاة.
يستمر النظام بإعلان قوائم الوفيات فتتحول سورية إلى بيت عزاء كبير، من دمشق حيث داريا أيقونة الثورة التي حمل فيها غياث مطر ورفاقه الورد والماء في مظاهراتهم السلمية يواجهون بها بنادق دوريات النظام، الذي اعتقلهم وعذبهم وأصدر عن المحاكم الميدانية أحكام إعدامهم؛ ولم تمنع عقب ذاك زيارة سفراء الدول الصديقة الخمسة لأداء واجب العزاء، النظام من الاستمرار بملاحقة واعتقال وتعذيب وتصفية رفاقهم يحيى ومعن الشربجي وإسلام الدباس.
إلى الحسكة ودير الزور والرقة وحلب وإدلب وحمص وطرطوس والسويداء ودرعا تلاحقنا عيون الضحايا في صورهم بألا ننسى أحلامهم النبيلة وحقوقهم،
وإن غاية حفظ الأمن والسلم الدوليين وتحقيق الاستقرار والسلام في سورية والمنطقة على المستوى المدى المتوسط والبعيد لا يمكن أن تتحقق إلا إذا أظهرت أطراف المجتمع الدولي خطوات ملموسة في المضي قدماً بملف المعتقلين،
ولا يمكن لأزمة اللاجئين أن تنتهي من دون فرض إجراءات كافية تؤمن سلامتهم، وتبدأ بوقف التعذيب والتصفية والاعتقال وبإطلاق سراح المعتقلين.
إن وقف جرائم الإبادة في سورية، وحماية حقوق الأنسان مسؤولية جماعية ترتبها الشرائع السماوية والقوانين الدولية وقيم العالم الحر على عاتق المجتمع الدولي شعوباً وحكومات، ومن دون ضغط حقيقي يتعاون فيه الجميع لن يتوقف نظام الجريمة عن الاستمرار بارتكاب الفظاعات المروعة بحق المعتقلين.
يخطأ كثيراً من يروج لترك ملف المعتقلين إلى حين الاتفاق النهائي على التسوية السياسية؛ ويذهب بهذا الاتجاه إلى ما يتناقض مع القواعد القانونية والمبادئ الأخلاقية والقيم الإنسانية، وبالنتيجة لا يمكن لأي حل لا يقبل به السوريين أن ينجح،
وإن تفاقم المزيد من القهر الذي يسببه النظام وداعموه للشعب مع تراخي المجتمع الدولي في فرض حل يحمي السوريين ويجبر خواطر أهالي الضحايا سينقل الأزمة خارج الجغرافيا السورية؛ ودونما سلام لا استقرار سيحصل في المنطقة، ولا سلام من دون عدالة، لاعدالة دونما محاسبة، ولا محاسبة دونما محاكمة؛
وإذ تعطل روسيا اتخاذ قرار في مجلس الأمن بإحالة النظام إلى محكمة الجنايات الدولية، نتساءل عن التأخر في صدور قانون سيزر بالكونغرس الأمريكي، مثلما نتساءل عن سبب التراخي باتخاذ إجراءات قضائية تمنع إفلات المتورطين من العقاب.
وإذ نؤكد بأن ملفات توثيق الانتهاكات بدأت تجد طريقها إلى العدالة، ففي وقت قريب ستدعم الأطراف بما فيها روسيا المحاسبة من خلال صفقة سياسية يحضر لها، وإلى ذلك الحين ندعو جميع السوريين المقيمين في دول يعطي نظامها القضائي لمحاكمها ولايةً في النظر بجرائم الحرب لأن يتعاونوا بالادعاء الشخصي ضد رموز النظام مع مجموعات المحامين السورين مثل أنور البني ومازن درويش وحوكان وباقي الزملاء، مثلما أدعو كافة السوريين لتوثيق بيانات المعتقلين لدينا ولدى المنظمات المعنية مثل الصليب الأحمر الدولي والشبكة السورية لحقوق الإنسان وغيرها.
نقدر الجهود التي بذلتها تركيا والأمم المتحدة والصليب الأحمر في أستانا والتي أنتجت تفاهماً مع روسيا أرغم النظام على القبول بالاحتكام في القضية لقواعد القانون الدولي لحقوق الإنسان الذي يهتم بحماية الأفراد من سلوك الحكومات المستبدة، ويرفض معالجة القضية بطريقة التبادل وفق أحكام القانون الدولي الإنساني؛ وبما يشكل إقراراً من النظام وداعميه أن معتقلينا لديه ناشطون سلميون وليسوا إرهابيين أو أسرى حرب؛ وإذ تضغط مجوعة الأطراف الصديقة في مجموعة العمل المشكلة لإطلاق سراح المعتقلين وكشف مصير المفقودين وتسليم جثامين الضحايا، يحاول النظام واهماً استباق الأمور بتسجيل آلاف المعتقلين وفيات في دوائر النفوس، مديناً بذلك نفسه بنفسه، ومضيفاً إلى سجله السيء جرائم جديدة؛
نقدر أيضاً المواقف المعلنة من فرنسا وإنكلترا وألمانيا وتركيا وأمريكا وقطر وليختنشتاين والسعودية وباقي الدول الصديقة بخصوص أوضاع المعتقلين وإثر تسجيل الألاف منهم في دوائر النفوس وفيات؛
مع التذكير بأن النظام لم يلتزم مع المجتمع الدولي في جنيف أو استانا بالإفراج عن أي معتقلة أو معتقل، في مقابل تعاونه مع جبهة النصرة والميليشيات الإيرانية في مبادلات متكررة؛
ومع التأكيد على أن النظام لايزال بشكل ممنهج ينفذ اعتقالات جديدة ويستمر بتعذيب وتصفية المعتقلين، وبأنه يخفي قسراً في سجونه مئات الاف السوريين من الناشطين السلميين والمدنيين، وبأن عليه إطلاق سراحهم دونما مبادلة وفق قواعد القانون الدولي لحقوق الإنسان؛
وإذ يزداد خوفنا على من تبقى؛ نطالب جميع أطراف المجتمع الدولي باتخاذ إجراءات عاجلة وغير اعتيادية لحمايتهم،
ولِما يشكله ملف المعتقلين من أولوية تهمُّ بشكل مباشر أكثر من خمسة ملايين ضحية، يمثلون أهالي المعتقلين، وبسبب منعكسات عدم انقاذهم على تأييد جهود التسوية السياسية وبما يهدد مسارات جنيف وأستانا، ويقوض الجهود الأممية لبناء سلام واستقرار مستدام في سورية والمنطقة؛
وبالنظر إلى المواد 3 و 5 و 9 من الإعلان العالمي لحقوق الانسان التي تعطي الانسان الحق في الحرية والأمان والحياة وتمنع الاعتقال التعسفي والتعذيب وسوء المعاملة؛
وإلى المادة 7 من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية التي تعتبر التعذيب جريمة ضد الإنسانية؛ الاغتصاب جريمة ضد الإنسانية؛ الاختفاء القسري جريمة ضد الإنسانية؛ السجن أو الحرمان الشديد من الحرية البدنية بما يخالف القواعد الأساسية للقانون الدولي جريمة ضد الإنسانية؛
وإلى المادة 8 التي تعتبر ذات الأفعال جرائم حرب، وتمنع إدانة أحد أو إصدار الحكم عليه إلا في سياق محاكمة عادلة أمام محكمة مشكلة تشكيلاً قانونياً يكفل جميع الضمانات القضائية اللازمة.
واستناداً إلى قرارات مجلس الأمن 2042 (2012) و2043 (2012) و2139 (2014) و2191 (2014) و2254 (2015) و2258 (2015) و2268 (2015)، وإلى قرارات الجمعية العامة 253/66 و262/67 و189/69 و234/70، واستناداً إلى قوانين الدولة السورية وإلى الاتفاقيات التي وقعت الجمهورية العربية السورية عليها مثل العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية واتفاقية مناهضة التعذيب واتفاقية حقوق الطفل وإلى المادة 3 المشتركة من اتفاقيات جنيف واستناداً إلى القانون الدولي لحقوق الإنسان؛
وبسبب ثبوت ارتكاب النظام لجميع الأفعال الجرمية الموصوفة أعلاه، نضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته ونحذر من نتائج الفشل في وضع حدد للانتهاكات ومن إفلات المرتكبين من العقاب، ونطالب بما يلي:
-
تشكيل مجموعة ضغط من الدول الصديقة والتوجه – بدايةً – إلى مجلس الأمن بمشروع قرار وفق صيغة الرسالة المسلمة لاتخاذ إجراءات تنفيذية عاجلة تحمي السوريين من الاعتقال التعسفي والاختفاء القسري وتحمي المعتقلين من التعذيب والتصفية.
-
تشكيل تحالف دولي في الأمم المتحدة للتدخل في سورية تحت مبدأ حماية الأمن والسلم الدوليين.
-
اتخاذ الإجراءات الكافية لحماية المعتقلين بالتدخل الفوري والجاد لفرض إدخال الصليب الأحمر الدولي ومراقبين من مجموعة العمل والأمم المتحدة بشكل سريع وعاجل للكشف على السجون السرية والرسمية ومراكز الاحتجاز في سورية.
-
إلزام النظام بتسليم جثامين الضحايا إلى أهلهم.
-
تحذير النظام السوري من أي ارتكابات جديدة بالتعذيب أو التصفية في معتقلاته.
-
ادانة اعمال الاعتقال التعسفي والاخفاء القسري والتعذيب والتصفية في معتقلات النظام.
-
مطالبة النظام الالتزام بأحكام قوانين الدولة السورية من حيث مراقبة السلطة القضائية لكافة مركز الاحتجاز ونشر التقارير الصادرة بهذا الخصوص.
-
إطلاق سراح المعتقلين وكشف مصير المختفين وتسليم جثامين الضحايا وفق جدول زمني معلن يبدأ بالإفراج عن النساء والأطفال والشيوخ والمرضى، والمباشرة الفورية بإطلاق سراح الأطفال والنساء كإجراء بناء ثقة.
-
إلزام النظام بالتوقف عن الاستمرار بالاعتقالات التعسفية والتصفيات الجسدية وأي من اشكال التعذيب في السجون وأماكن الاعتقال، وتمكين المراقبين المستقلين من الدخول إليها لضمان المعاملة الإنسانية فيها.
أخيراً أشير إلى أن الهيئة الوطنية لشؤون المعتقلين والمفقودين، تشكلت بقرار من الائتلاف، وتعمل بصورة مستقلة فنياً للدفاع عن المعتقلين والمفقودين السوريين لدى كافة الأطراف؛ ولتمثيلهم في المحافل الدولية، باستخدام الوسائل المشروعة بهدف وقف تعذيبهم وحمايتهم والإفراج عنهم، وتعتبر المرجع القانوني لقضية المعتقلين السوريين، تتعاون في ذلك مع رجال القانون ومنظمات حقوق الإنسان السورية والدولية، وتحمل تصورهم ومطالبهم ضمن مؤسسات ووفود المعارضة.
أنجزت الهيئة مجموعة من النشاطات واللقاءات في مجلس حقوق الأنسان ومع مبعوثي الدول الصديقة والمنظمات المستقلة، وسطرت عدداً من المذكرات اللازمة إلى الأمم المتحدة والجهات المعنية وتتابع وفق خطتها تنفيذ مهامها وفق آليات محددة للمضي قدماً نحو أهدافها المعلنة.
الهيئة الوطنية للمعتقلين والمفقودين